الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

هل اللامركزية هي الحل؟

سعيد غريّب

 

جريدة الحرة ـ بيروت

شعب مأزوم نحن. نتخبّط بحثاً عن حلول تتخطّى دوماً يومياتنا، لتصل إلى جوهر الكيان وأزمة الوجود لدى كلّ المجموعات، بعدما باءت محاولات الانتقال إلى مفهوم الوطن بالفشل، منذ إعلان دولة الاستقلال. شعب لا يعرف تاريخه كيف له أن يحترمه، وشعب إذا عرف تاريخه ولم يحترمه كيف له أن يعيش الحاضر ويبني المستقبل؟ شعب زاده من حكايات الهجرة والتهجير، وثروته من التجارة أينما حلّت، كيف له أن يستقرّ؟ شعب لا يعرف ماذا يريد، كيف له أن يعيش حياة ًطبيعية ًوهادئة؟ شعب لا ينتمي إلى وطن بل إلى طائفة، كيف له أن يرتاح إلى المصير؟ هذا المصير المعلّق بخيطٍ من القطن، فيما القادة اللبنانيون يريدون مقاعد لا انتخابات،  وحصصاً لا رجالاً ويبحثون عن حلول استراتيجية فقط في ضمان المقاعد والحصص.

آلاف السنين من الوجود وعشرات السنين على الاستقلال والمعضلة هي هي: دويلات تجمعها نظرياً دولة ٌمركزيةٌ واحدة، شعوبٌ مارونيّة، شيعيّة، سنيّة، درزيّة، أورثوذكسيّة، كاثوليكيّة، أرمنيّة، سريانيّة، أشوريّة، لاتينيّة، علويّة، كلدانيّة لا لبنانيّة، تبقى مرهونةً لدى الزعامات والإقطاعيين، ولا تستطيع فكّ أسرها رغم كلّ التطورات التي شهدها العالم. هي شعوبٌ ترسل أبناءها إلى أصقاع الأرض بحثاً عن موطئ قدم وطلباً للرزق وتأسيساً لغدٍ أفضل.

المطران إيلاريون كابودجي اختصر هذا الواقع بل إختزله يوماً بهذه العبارات: “إنّ لبنان فرعان وليس مجموعة طوائف: الفرع الأوّل رجال لا مكان لهم إلّا في الهجرة، والفرع الثاني مجموعاتٌ هاجمة على الأماكن والكراسي، مثل فيلٍ مجنون في مخزن الخزف”. وفي سياق ٍ مماثل، كان الكونت دي كافور يردّد بعد توحيد إيطاليا: “لقد أقمنا إيطاليا ولكن قد لا نتمكّن من إقامة إيطاليين”. أمّا المقلق في الحالة اللبنانية ففي كون  حاملي الجنسية  اللبنانية قد بدأوا يسألون بصوت عالٍ ما كانوا يفكرون فيه بصوتٍ منخفض: لماذا الاستقلال؟ هل استحققناه؟ بماذا نختلف عن جزيرة السيشيل مثلاً وغيرها من المستعمرات الفرنسية الباقية على وجه الأرض؟ هل كان على حق من ردّد مراراً أنّنا شعبٌ قاصر لم نبلغ سنّ الرشد؟ و هل من حلول تزيل القلق على المصير؟

لا شكّ أنّ الإحباط حالةٌ يعيشها جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين وعلمانيين. إنّهم محبطون من السياسيين لأنّهم لا يستطيعون بناء دولة، ومحبطون لأنّ تطبيق القانون ليس واحداً على الجميع، ولأنّهم غير متساوين قيمةً وحقوقاّ وواجبات، فيقاصصون إذا نجحوا في مباراةٍ وظيفيّة عليا والآليّة التي اعتمدت أخيراً خير دليل على حجم الفضيحة. من هنا  يرى بعض من تبقّى من فكرٍ مسيحي أنّ اللامركزيّة يمكن أن تشكّل أولويّة مطلقة للتخلّص من الوضع المتردّي والمزمن للدولة. فهل هو الحل؟ في الواقع، فات المنظّرين للّامركزية ربّما أنّه في كلا الحالين: المركزية واللامركزية، تبقى المسألة مرتبطة بالديموقراطية التي تتطلّب ممارستها وعياً وثقافة وسعة اطلاع ما يعني حسن اختيار أعضاء المجالس وحكّامها. والمختارون في الانتخابات الأخيرة هم اليوم على محك الاختبار بعدما أثبتت تجارب الماضي أن خيارات الناس السابقة لم تكن دوماً موفقة،  فرؤساء عدد كبير من بلديات لبنان عاثوا فساداً في مناطقهم وهم يتصرفون على أساس أن الارض ملكهم، فيقطعون الأشجار ويقفلون طرقاً لتمرير مشاريع “إنمائية ” لأولادهم وأحفادهم. إقتلعوا الصخور وغيّروا مجاري الأنهار والينابيع وغطّوا الطرق بمبان سكنية مشوهة وركيكة، ولم يبالوا بصرخات سكان البلدات الذين بفعل القانون البالي، يصوّتون في مناطق أخرى. هي خيارات الناس أتت بهؤلاء في صناديق الاقتراع ولكن هل نيأس؟

بالطبع لا فمن أجل أن تنجح هذه اللامركزية في تشكيل وعي المواطن علينا أن نجعلها موسّعة إلى أبعد الحدود. وعليها أن تقيم علاقات وثيقة بين المواطن وسلطات الدولة، من خلال التحلّي بالنزاهة واعتماد الشفافية والمشاركة المجتمعية.  في الوقت عينه،  تخلق اللامركزية موجباتٍ ومسؤولياتٍ جديدة، فهي على ما جاء في كتاب “لبنان المستقرّ” لروجيه ديب، “تستلزم تغييراً جوهرياً للسلوكيات على مستوى الدولة المركزية وعلى مستوى الوحدات المحليّة والمواطنين”. والأهمّ من ذلك كلّه هل نحن قادرون على اعتبار إعادة النظر بالمركزيّة الصارمة للدولة مشروعاً جدياً للمصير المشترك،  أم أننا سنبقى ننظر إليه على أنه مشروع تقسيمي مهدّد للوحدة اللبنانية.

https://hura7.com/?p=62926

الأكثر قراءة