وكالات ـ على الرغم من أهمية الوفود الدبلوماسية التي احتشدت للقاء قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، إلا أن لزيارة الوفد الروسي إلى دمشق خصوصية بالغة الأهمية بحكم العلاقات السابقة بين البلدين في ظل حكم الأسد. وفيما لم يتسرب سوى معلومات شحيحة عن مخرجات اللقاء الثنائي، يتردد سؤال استنبطه المحللون من التسريبات وتصريحات الطرفين حول “تحقيق العدالة الانتقالية” في سوريا. فهل تقوم موسكو بتسليم الأسد للسلطات السورية ككبش فداء لمستقبل أكثر استقراراً للعلاقات والمصالح بين البلدين؟
بعد زيارة وفد رفيع المستوى برئاسة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بودغانوف إلى دمشق، الثلاثاء، لم يصدر عن موسكو ودمشق سوى تصريحات فضفاضة تتعلق “ببحث آليات العدالة الانتقالية” و”ضمان المساءلة وتحقيق العدالة لضحايا الحرب الوحشية التي شنها الأسد”.
علاقة معقدة بحكم “أخطاء الماضي” والنفوذ الروسي في ظل حكم الأسد
وخلال اللقاء أكد الشرع أن المسؤولية تقع على عاتق الإدارة الروسية لإعادة بناء الثقة بروسيا ودورها في البلاد، مع التأكيد على احترام سيادة سوريا.
ونوه الشرع بأن بناء العلاقات المستقبلية يحتاج إلى “تصحيح أخطاء الماضي”، وبناء على ذلك طالب موسكو القيام بخطوات ملموسة كبادرة حسن نية تجاه المجتمع السوري، منها تقديم التعويضات وإعادة الإعمار، وفقاً لما أفاد به مراسل مونتي كارلو في دمشق عدي منصور، دون تبيان نوع التعويضات المطلوبة.
ويعتبر هذا اللقاء هو الاتصال المباشر والرسمي الأول منذ سقوط نظام الأسد، إذ تسعى روسيا من خلاله إلى ضمان مصير قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في حميميم في سوريا، وهما الموقعان العسكريان الوحيدان لها خارج نطاق الاتحاد السوفياتي السابق.
جدير بالذكر أن القواعد الجوية الروسية تم توظيفها بشكل واسع في الحرب السورية دعماً للأسد في العام 2015. وساهمت بقتل نحو 7 آلاف مدني وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
“العدالة الانتقالية” هل طالبت الإدارة السورية الجديدة بتسليم بشار الأسد؟ وهل تستطيع موسكو تسليمه؟
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة على مجرى المحادثات بين الطرفين في دمشق، بأن قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، طالب بتسليم بشار الأسد إلى السلطات السورية، بينما لم يعلق الكرملين بعد على صحة طلب التسليم من عدمه.
وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن تسليم الأسد هو “موضوع غير قابل للنقاش حالياً”، فيما تُتهم موسكو بتسهيل هروب أكثر من 400 شخص من رؤوس النظام السوري إلى جانب تهريب الأموال التي نقلها بشار الأسد معه قبيل هروبه إلى روسيا.
وتناقلت وسائل إعلام تصريحات عن مسؤولين سوريين القول إن على موسكو “الاعتراف بضحايا نظام بشار الأسد”.
ويرى محللون أن استخدام كلمة الاعتراف بالضحايا لها محل من التوظيف تتعلق بتسليم بشار الأسد لسلطات بلاده الجديدة من أجل تحقيق العدالة والأخذ بالقصاص، بما يشمل تسليم اللاجئين السياسيين المتورطين بارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري طوال فترة 13 عاماً منذ بدء الحراك المناهض لنظام الأسد في العام 2011.
ومنذ سقوط نظام الأسد، فشلت العديد من المبادرات والحراكات القانونية والدولية بمحاولات إقناع روسيا بتسليم الأسد، فيما توقع متفائلون بأن السلطات الروسية لربما تقوم بتسليمه إن تم الاتفاق والتعاون بين البلدين، كبادرة حسن نية وفتح صفحة جديدة في مستقبل العلاقات الثنائية.
وبالتعريف القانوني للجوء الإنساني، يتحدث حقوقيون عن عدم إمكانية تسليم بشار الأسد للبلد الذي طلب اللجوء منه وفقاً للقرار رقم 1631 الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يمنع إعادة طالب “لجوء إنساني” إلى بلاده، الصفة التي يتمتع بها الأسد وعائلته حالياً في روسيا، إذ أنه لم يحصل على لجوء سياسي.
إلا أن بيسكوف أكد أن “الحوار مستمر بين البلدين للتوصل إلى تفاهمات بناءة”. فهل يعني ذلك تسليم موسكو بشار الأسد للسلطات السورية كضمان لاستمرار المفاوضات، وضماناً لتواجدها في قواعدها على الساحل السوري ونفوذها في المنطقة؟ ولتحقيق ذلك وفقاً للقانون الدولي، هل يعمد الكرملين أو يستطيع تغيير صفة لجوء الأسد من اللجوء الإنساني إلى اللجوء السياسي؟ ذلك لا سيما وأن النظريات تقول إن تخلي موسكو عن دعم الأسد ساهم بشكل كبير في السقوط المدوي لنظام حكمه على أيدي الكتائب المسلحة للمعارضة السورية.