خاص – أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلق الأوروبيين. إذ من المقرر استثمار عشرات المليارات من اليورو في التسلح الأوروبي المستقبلي. لكن عملية الشراء تنطوي على العديد من المخاطر.
تشن روسيا حرباً ضد أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن التحول المفاجئ الذي شهدته الولايات المتحدة عن حلفائها هو الذي أثار قلق الأوروبيين حقاً. والآن ينبغي أن يتم تعزيز التسلح ضد التهديد القادم من الشرق بسرعة: فقد زادت العديد من البلدان بالفعل ميزانياتها الدفاعية. ومن المقرر أيضاً أن يكون الجيش الألماني جاهزاً للحرب بغض النظر عن نظام خفض الديون، كما يريد الاتحاد الأوروبي تعبئة ما يقرب من تريليون يورو للأسلحة.
لكن المال وحده لن يحل المشاكل، كما يتفق جميع الخبراء. فقد حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مؤخراً، عند تقديم ورقة استراتيجية بشأن الدفاع الأوروبي، من أنه بحلول نهاية العقد الحالي، ينبغي لأوروبا من الناحية النظرية أن تكون في وضع يسمح لها بشن حرب كبرى ضد روسيا. ولتحقيق هذا الهدف، يتعين على البلدان الأوروبية أن تحقق تقدماً في العديد من المشاريع في وقت واحد.
ما هي الأسلحة التي تحتاجها أوروبا؟
لقد انتهى عصر الجيوش المدرعة الجماعية في الحرب الباردة، وهذا ما يتفق عليه جميع الخبراء تقريباً. ويقول خبير الأسلحة، مايكل برزوسكا، من معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبورغ: “ستظل هناك حاجة إلى الدبابات القتالية في المستقبل لاحتلال الأراضي”. “ومع ذلك، فقد أظهرت حرب أوكرانيا أن الدبابات معرضة بشكل كبير لهجمات الطائرات بدون طيار”.
وستظل هناك حاجة إلى قطع مدفعية مثل Panzerhaubitze 2000 في المستقبل، ولكن على نطاق أصغر، وفق برزوسكا: “لقد أظهر الأوكرانيون أن مهام المدفعية يتم تنفيذها الآن بشكل متزايد بواسطة طائرات بدون طيار انتحارية”.
والوضع مماثل بالنسبة للطائرات المقاتلة. ويقول برزوسكا إن النقاش ظل يدور لعقود من الزمن حول ما إذا كانت هذه الأمور ستظل ضرورية في المستقبل. وفي الآونة الأخيرة، تساءل رجل الأعمال إيلون ماسك عن فائدة الطائرة الأمريكية من طراز F-35 – ولقي معارضة فورية من الخبراء. هنا، يعتقد برزوسكا أيضاً أنه سيكون هناك طائرات مقاتلة في المستقبل: “إنها تتمتع بميزة عدم كونها عرضة للخطر مثل الطائرات بدون طيار”.
ونظراً للأهمية المتزايدة للطائرات بدون طيار في الحروب، يتوقع برزوسكا أن تعمل الشركات الألمانية مثل Quantum Systems وHelsing أيضاً على تطوير الأتمتة في ساحة المعركة. “بالطبع، هناك جانب مظلم لهذه المسألة، وهو الخوف من أن يصبح الذكاء الاصطناعي مستقلاً بطريقة أو بأخرى”، بحسب الباحث. “لكن من المحتمل أن يتم حل هذه المشكلة”.
ويضيف برزوسكا أنه إلى جانب الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار والدبابات والمدفعية، ستحتاج أوروبا في المقام الأول إلى المدافع المضادة للطائرات والصواريخ والصواريخ المجنحة مثل صاروخ توروس للتغلب على روسيا. وتُعتبر الأخيرة مهمة بشكل خاص لوقف قوات العدو: “مع ذلك، عند بناء ترسانات الصواريخ الهجومية، يجب أن نكون حذرين حتى لا نسمح للعدو باتخاذ تدابير استباقية”، كما يشير الباحث في مجال الصراعات.
هل تستطيع أوروبا الاستغناء عن المكونات من الولايات المتحدة؟
منذ أن توقفت الولايات المتحدة لفترة وجيزة عن تزويد أوكرانيا بمعلومات استخباراتية وصور الأقمار الصناعية في بداية شهر مارس 2025، أصبح انعدام الثقة في أوروبا مرتفعاً. فهل لا زال بإمكاننا أن نثق في حليفنا الأكثر أهمية؟ أجابت العديد من دول حلف شمال الأطلسي على هذا السؤال بالنفي، إذ هي تفضل شراء طائرات مقاتلة أخرى بدلاً من طائرة F-35 من الولايات المتحدة. وهناك الكثير من القلق حيال استغلال الحكومة الأمريكية اعتماد الأوروبيين عليها.
ومع ذلك، يرى برزوسكا أن هذا القلق مبالغ فيه. ويضيف “كانت الولايات المتحدة تزود مختلف أنواع الدول بالأسلحة لعقود من الزمن ولم يثبت أنها غير موثوقة”. “ومن مصلحة دونالد ترامب أيضاً ضمان قدرة صناعة الأسلحة الأمريكية على مواصلة بيع إنتاجها إلى أوروبا”. إشارة إلى أن ألمانيا طلبت أيضاً 35 طائرة من طراز F-35 من الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن “مشاكل ضخمة” قد تنشأ إذا حاول الأوروبيون أن يصبحوا مستقلين تماماً. ويقول برزوسكا، في إشارة إلى الشائعات الأخيرة حول طائرة إف-35، والتي تفيد بأن الولايات المتحدة قادرة على تعطيل أيٍّ من هذه الطائرات المقاتلة عن بُعد: “العديد من مكونات أنظمة الأسلحة الأوروبية تأتي من الولايات المتحدة، ولا يمكن استبدالها بين عشية وضحاها. من يضمن عدم وجود “مفتاح إيقاف” مدمج في طائرات يوروفايتر ورافال؟”.
ما الذي يجب مراعاته عند الشراء؟
يتفق الخبراء على أن نجاح خطة إعادة تسليح أوروبا يتطلب إدخال العديد من التحسينات على عملية شراء الأسلحة. في الماضي، كانت الأنظمة المعقدة للغاية تُطلب في كثير من الأحيان من المصنعين. وبحسب برزوسكا: “في كثير من الأحيان، يتم تقديم ما هو مرغوب فيه على ما هو ممكن”. ومع ذلك، فإن الإصلاحات التي تم إدخالها منذ عام 2022 ساهمت بالفعل في إمكانية شراء أسلحة رخيصة ومتاحة.
ويرى برزوسكا أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في رغبات أعضاء البرلمان الذين تشمل دوائرهم الانتخابية مصانع الأسلحة. فبالنسبة لهؤلاء السياسيين، غالباً ما يكون من الأجدر أن تستفيد “شركاتهم” من عمليات الشراء بدلاً من أن تحصل القوات المسلحة على أفضل المواد الممكنة. وفي هذا السياق، يدعو برزوسكا إلى إجراء إصلاحات في لجنة المخصصات في البوندستاغ، على سبيل المثال. وقال: “كنا بحاجة إلى تخطيط طويل الأمد لتلبية احتياجات الجيش الألماني، وفي الوقت نفسه، مواصفات واضحة للصناعة”.
ولفت برزوسكا إلى مشاكل محتملة في عمليات الشراء على المستوى الأوروبي: “فرنسا تمارس ضغوطاً لناحية شراء الأسلحة والمعدات داخل الاتحاد الأوروبي كلما أمكن ذلك”، كما يوضح الباحث. “لكن سيكون من الخطأ استبعاد دول مثل المملكة المتحدة من المشتريات المشتركة”.
لكن من حيث المبدأ، من المفيد أن يكون شراء كميات أكبر بأسعار أرخص داخل الاتحاد الأوروبي ممكناً. لذا، دعا الخبير إلى شراء الأسلحة والمعدات العسكرية في الاتحاد الأوروبي من خلال سندات مشتركة، حتى تتمكن البلدان ذات المرونة المالية الأقل، مثل فرنسا وإيطاليا، من المشاركة في إعادة التسلح.
ويرى برزوسكا أن الانتقادات المتكررة لمكتب المشتريات التابع للجيش الألماني في كوبلنز (BAAINBw) غير مناسبة. إذ لا يزال المكتب، الذي يضم نحو 12 ألف موظف، يعاني من نقص كبير في الموظفين. علاوةً على ذلك، يعمل المسؤولون هناك وفقاً للمتطلبات القانونية، ويضطلعون بمهام معقدة: “يتعين عليهم أيضاً التحقق من استيفاء النظام الذي توفره الصناعة لجميع المتطلبات. وفي حال حدوث أخطاء، يقع اللوم على المسؤولين”.
في الآونة الأخيرة، حذرت مستشارة شؤون الموظفين، إيفا بروكنر، التي تعمل على تعيين الموظفين خصيصاً لشركات الدفاع مثل راينميتال، من “نقص كبير بالفعل في العمال المهرة” في الصناعة. وأشارت بروكنر إلى أن ذلك النقص سيتفاقم بشكل كبير بسبب الإنفاق المخطط له على التسليح. ومع ذلك، يبقى برزوسكا واثقاً من أن صناعة الأسلحة ستتمكن من السيطرة على المشكلة.