الحرة بيروت
إن اختصاص المحكمة للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ الأول من تموز/يوليو 2002. وجاء الاقتراح استناداً إلى ثلاث نقاط رئيسية:
- أهمية المحكمة الجنائية الدولية
تتخصص المحكمة في النظر بأشد الجرائم الدولية، كالإبادة الجماعية، الجرائم ضدّ الإنسانية، جرائم الحرب، وجريمة العدوان. وقد استشهد النواب بحالة فلسطين التي انضمت إلى النظام عام 2015، ما أتاح للمحكمة ملاحقة الجرائم الإسرائيلية في غزة، وأصدرت بالفعل مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين. رأى مقدمو الاقتراح أن انضمام لبنان ضروري لمحاسبة إسرائيل على العدوان الذي بدأ في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 واشتدّ اعتباراً من 23 أيلول/سبتمبر 2024، متسبباً بدمار واسع وتهجير الملايين من السكان.
- السوابق اللبنانية والإجراءات القانونية
شارك لبنان في مؤتمر روما عام 1998 وأكدت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل عام 2005 عدم وجود موانع قانونية للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما أوصت لجنة حقوق الإنسان النيابية عام 2010 بمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة المذكورة على خلفية حرب 2006. لكن الحكومة اللبنانية لم تتخذ خطوات جادة، وتناقضت قراراتها في العام 2024 بين تكليف وزارة الخارجية تقديم إعلان قبول اختصاص المحكمة ثم التراجع عن القرار بعد شهر.
- دور البرلمان
برّر النواب مبادرتهم بسبب تقاعس الحكومة عن القيام بواجبها، مستشهدين بقوانين سابقة أجاز فيها البرلمان الانضمام إلى اتفاقيات دولية، مثل قانون مكافحة تمويل الإرهاب (2015) واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2022). إلّا أن هذا الاقتراح يثير جدلاً دستورياً بشأن صلاحيات السلطة التشريعية والتنفيذية.
جدل دستوري
إن انضمام لبنان إلى المحكمة الجنائية الدولية يمكّنه من تحصين نفسه داخلياً وخارجياً إذ يتيح محاسبة إسرائيل على جرائمها ويكرّس إلتزام لبنان بالمعايير الدولية لتصنيف الجرائم. كما أن هذا الانضمام يعزز العدالة الانتقالية ويشكل خطوة نحو مواجهة الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية (1975-1990) والتي شملها قانون العفو العام، ما يرفع الوعي من ناحية خطورة هذه الجرائم ويمنع تكرارها.
رغم ذلك، فإن هذا القرار يثير جدلاً دستورياً حيث أن المادة 52 من الدستور تنص على أن الانضمام إلى الإتفاقيات الدولية هي من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء. وقد حذّر الخبراء من أن اقتراح البرلمان للانضمام مباشرة يخلّ بمبدأ الفصل بين السلطات ويصادر صلاحيات السلطة التنفيذية، بما فيها حق إبداء التحفظات على بنود الاتفاقية.
المحاذير
العقبات التي تواجه تطبيق هذا القرار كثيرة، أما أبرزها:
- الضغوط والتهديدات حيث أن المحكمة ما زالت عرضة لتدخلات تعيق استقلاليتها. وفي هذا السياق كشف المدعي العام كريم خان عن ضغوطات وتهديدات مرتبطة بقضايا إسرائيل، بما في ذلك تهديدات أميركية بفرض عقوبات في حال ملاحقة مسؤولين إسرائيليين.
- تردد دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا تذرّعت بحصانات المسؤولين الإسرائيليين للامتناع عن تنفيذ مذكرات التوقيف، ما يثير التساؤلات حول جدية الالتزام بنظام المحكمة.
- عوائق سياسية وقانونية، محلية ودولية، تعيق الانضمام إلى هذه الاتفاقية. ويُعتقد أن حزب الله يخشى تحقيقات محتملة تطال قادته، بينما مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على الحكومة اللبنانية للتراجع عن إعلان قبول اختصاص المحكمة. كما تثير المبادرة التشريعية إشكالات قانونية قد تُستغلّ لمنع تمرير الاقتراح.
على أي حال، ورغم فوائد الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، يبقى تحقيق هذا الهدف مشروطًا بتجاوز العقبات السياسية والقانونية وضمان استقلالية المحكمة. كما أن الخطوة تستدعي توافقاً وطنياً لحماية المصالح اللبنانية وتعزيز العدالة الدولية