خاص – من المقرر أن تنتهي فترة الجنرال كريستوفر كافولي كقائد أعلى لقوات الحلفاء في أوروبا (Saceur) خلال العام 2025. ومنذ عام 1951، شغل هذا المنصب ضباط أمريكيون، أو أدميرالات، أو جنرالات.
لكن قد يكون كافولي آخر أمريكي يشغل هذا المنصب، على الأقل لفترة من الوقت. إذ تدرس إدارة ترامب التخلي عن هذا المنصب المهم في إطار عملية إعادة هيكلة قيادة القوات المسلحة الأمريكية لتوفير التكاليف، وربما كتراجع عن دورها القيادي في الأمن الأوروبي منذ خمسينيات القرن الماضي. بالتوازي مع ذلك، تولى وزيرا دفاع المملكة المتحدة وألمانيا رئاسة مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية في أبريل 2025، وهي تجمع لوزراء دفاع من 30 دولة، وكان وزير الدفاع الأمريكي يرأسها سابقاً.
قال كافولي، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ في أبريل 2025، إن تراجع الولايات المتحدة عن دورها القيادي في حلف الناتو سيُشكّل مشكلة. وقد وافق على ذلك رؤساء سابقون لقيادة الناتو. وهم مُحقّون في ذلك. فإلغاء منصب “المساعد الأمريكي” ليس شأناً داخلياً، كاستبدال كبار الضباط العاملين في مناصب أمريكية لا ينتمون إلى توجهات سياسية مُحدّدة. بل سيكون ذات آثار عميقة على القدرة العسكرية لحلف الناتو، وتداعيات مباشرة وملموسة على استراتيجية ردع التحالف.
يُعدّ تصور العدو للقدرة العسكرية لقوات الناتو عنصراً أساسياً في استراتيجية الردع الخاصة به. فاستبدال القائد الأعلى الأمريكي بقائد أوروبي من شأنه أن يُلقي بظلال من الشك على تصورات التزام الولايات المتحدة تجاه الناتو، وقد يُقوّض هذا التصور للقوة العسكرية المتماسكة بشكل حاسم. صحيح أن ذلك سيُجدي نفعاً، إلا أن موقف الناتو الرادع سيكون أقل إقناعاً، وهذا مهمٌّ بشكل خاص بالنظر إلى المخاوف الأوروبية من العدوان الروسي في المنطقة.
لم يتضح بعد كيف ستتطور رؤية إدارة ترامب لحلف الناتو. فالتصريحات العلنية الداعمة للناتو تتناقض مع الآراء الخاصة التي عبر عنها أعضاء حكومته في فضيحة التنصت سيئة السمعة. فقد كان الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، ينظر إلى الحلفاء كقوة لا تُضاهى. لكن يبدو أن ترامب لا يكترث كثيراً لتأثير قراراته على حلفائه. ومن شأن حذف منشور “القائد الأمريكي” أن يُعزز هذا التفسير ويُضعف قوة ردع الناتو في لحظة حرجة في علاقاته مع روسيا.
ترامب ليس أول رئيس أمريكي يُغيّر سياسته الخارجية بعيداً عن أوروبا
ليس ترامب أول رئيس أمريكي يُغيّر سياسته الخارجية بعيداً عن أوروبا. فقد أعلن الرئيس باراك أوباما عن توجه نحو آسيا في نوفمبر 2011. واستمر ذلك التركيز على الصين باعتبارها “تهديداً متسارعاً” يُشكّل تحديات كبيرة للولايات المتحدة.
يتجلى الأمر في عهد ترامب كمطلبٍ عمليٍّ من الحلفاء الأوروبيين بزيادة مساهماتهم في حلف الناتو، حتى تتمكن الولايات المتحدة من تخصيص مواردها للتركيز على المحيط الهادئ، وربما إعادة نشر الأفراد والقدرات هناك. ولم يُخفِ ترامب قط ازدراءه لحلف الناتو. إذ كثيراً ما يتساءل عن فائدته للولايات المتحدة. وقد يكون جزءٌ كبيرٌ من هذا الخطاب موجهاً لجمهوره المحلي، لكنه يؤثر سلباً على التصورات الدولية لقوة الناتو.
طُرحت فكرة إنشاء قوة دافعة أوروبية من قبل، بما في ذلك من قِبل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عام 1984. وقُدِّم ذلك الاقتراح في ذروة الحرب الباردة، وكان مبرر كيسنجر سياسياً. حيث ستُجبر القيادة العسكرية الأوروبية القادة السياسيين الأوروبيين على الاعتراف بمسؤولياتهم تجاه السياسة النووية لحلف الناتو.
لا شك أن السيطرة السياسية على القوة العسكرية أمرٌ بالغ الأهمية لأي دولة ديمقراطية. ويرفع “ساسور” تقاريره إلى مجلس شمال الأطلسي (NAC، أعلى هيئة في الناتو)، الذي يضم سفراء من جميع الدول الأعضاء. ويرأسه، الأمين العام -وهو دائماً أوروبي (أو كندي) – بينما يكون نائب الأمين العام دائماً أمريكياً.
يُعرف أعلى مستوى من سلطة القيادة العسكرية، أي القدرة على تنظيم وتوظيف القيادات والقوات لإنجاز المهام الموكلة، في الولايات المتحدة باسم القيادة القتالية (COCOM). وتحتفظ معظم دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالقيادة القتالية المكافئة لها، لكنها تُفوض المستوى الأدنى التالي من القيادة، وهو القيادة العملياتية (OPCOM)، إلى قادة الناتو.
القضايا المطروحة
ينص القانون المحلي الأمريكي على أن تُمارس قيادة العمليات المشتركة (COCOM) على القوات الأمريكية، ولكن فقط من قِبل ضباط أمريكيين. ولا يمكن تفويض هذه السلطة. إذ يمارس القائد الأعلى الأمريكي في أوروبا القيادة العملياتية على جميع القوات المُكلَّفة بحلف الناتو، إنما لا يُمكن لقائد أوروبي في نفس المنصب ممارسة سلطة أكثر تقييداً على القوات الأمريكية المُكلَّفة. وثمة استثناء لمواجهة هجوم على الناتو، ولكن ليس للتدريبات. إذ تُشكِّل وحدة القيادة تحدياً كبيراً في العمليات متعددة الجنسيات، حتى بعد 75 عاماً من التدريب، لذا تُشكِّل هذه المسألة عقبة رئيسية.
وهناك مشكلة أخرى تتجلى بأن سلطة إطلاق جميع الأسلحة النووية الأمريكية تبقى بيد رئيس الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، يشغل مسؤول أمريكي كل منصب رئيسي في سلسلة العمليات النووية لحلف الناتو. ويُقدَّم طلب الناتو لشن ضربة نووية إلى الرئيس الأمريكي عبر “ساسور”. وليس من الواضح كيف سيُنفَّذ ذلك إذا لم تعد “ساسور” أمريكية. وهذه إحدى العقبات الرئيسية المحتملة أمام أي قرار بنقل القيادة إلى جهة أوروبية.
وفي حالة الأزمة، يُخطط الناتو لنشر 30 فرقة عسكرية (بواقع 15,000 جندي لكل فرقة)، و30 سرباً من الطائرات المقاتلة، و30 سفينة حربية قتالية من جميع أنحاء الحلف في غضون 30 يوماً. وسيتعين على أي قائد أعلى أوروبي قيادة قوات دولية يبلغ تعدادها مئات الآلاف من الأفراد. كما أن هناك عدداً قليلاً جداً (إن وُجد) من الضباط الأوروبيين الذين يمكنهم الادعاء بخبرتهم المناسبة ليحلوا محل كافولي. ولم يتولَّ أي ضابط بريطاني قيادة فرقة واحدة منتشرة منذ غزو العراق عام 2003.
لكن خلال العام 2025، إذا استُبدل كافولي بشخص أوروبي، فسيحتاج الناتو إلى حلّ معظم هذه القضايا الشائكة، أو على الأقل وضع خططٍ لكيفية القيام بذلك، وإلاّ ستنشأ مخاطر كبيرة على الأمن الأوروبي. لكن في الوقت الحالي، لا يبدو هذا الأمر سهلاً على الإطلاق.