جريدة الحرة
بقلم: د. هشام بو ناصيف
في لبنان اليوم ثلاثة تحديّات أساسيّة ينبغي حلّها تدريجيّاً لوضع البلاد على طريق التعافي. وأمّا التحدّي الأوّل، فمسألة السلاح الشيعي. حتّى الساعة، لا يزال حزب الله يراوغ للحفاظ على ما أمكن من ترسانة يمكن له استعمالها ضدّ الداخل اللبناني، والعودة إلى الاغتيالات السياسيّة التي تمرّس بها، بمجرّد أن يخفّ الضغط الدولي عنه. وأمّا التحدّي الثاني، فقضيّة الفساد، والمنهبة الكبرى التي سرقت اللبنانيّين طوال عقود، منها طبعاً سنوات العهد السعيد لميشال عون بقصر بعبدا. وأمّا المسألة الثالثة، وهي أمّ المسائل، وأخطرها، فهي أزمة النظام المستمرّة منذ قرّر آباء الكيان اللبناني تجربة المستحيل، عنيت إدارة شؤون مجتمع تعدّدي طوائفي بظلّ نظام مركزي غير صالح لسياسة شؤونه.
يقف جبران باسيل على الضفّة الخاطئة من كلّ هذه المواضيع. باسيل أكثر سياسي لبناني استسلم تماماً لحزب اللّه زمن عزّه، واستفاد من نفوذه كي يحقّق عمّه ميشال عون حلمه بالوصول الى سدّة “الرئاسة”. أضع الكلمة بين هلالين لأنّ الرئاسة الحقيقيّة طوال عهد عون كانت لحسن نصراللّه، ومركز القرار اللبناني كان في الضاحية لا في بعبدا. لم يعترض جبران باسيل لأنّه كان يأمل أن يلي عون بموقعه. تاريخ جبران باسيل تاريخ مقايضة أبسط بديهيّات مصلحة لبنان، عنيت حصريّة السلاح بيد الدولة، بطموح شخصي لرئاسة شكليّة. وكان من علامات ذلك تسليم تيّاره إلى شخصيّات ممانعة من طراز منصور فاضل، نائب باسيل برئاسة التيّار لسنوات، والقوميّة السوريّة رندلى جبّور، مسؤولة الإعلام بتيّاره، وآخرين من الطراز عينه. أمّا وأنّ الحال هو هذا، فلا يستطيع باسيل المشاركة اليوم بالنضال اللبناني لبسط سيادة الدولة بقواها الذاتيّة حصريّاً على أراضيها، لأنّ تاريخه بالموقع المضادّ للمسألة.
الفساد؟ هنا أيضاً، لا يستطيع باسيل استخدام الورقة لتعزيز شعبيّته المتراجعة. والسبب، مجدّداً، بديهي: الانهيار المالي حصل في عهد ميشال عون. وباسيل، صوّت، مع من صوّتوا، على التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ثمّ أنّ وزارة الطاقة التي تولّاها باسيل مباشرة أو بالواسطة، ابتلعت المليارات من أموال اللبنانيّين، دون أن يحصلوا على الكهرباء. صحيح طبعاً أنّ النهب المنظّم بدأ قبل وصول عون/باسيل الى شكل الحكم؛ ولكنّ الصحيح أيضاً أنّه لم يتوقّف بعد ذلك، بل استمرّ وتكثّف. تالياً، تماماً كما أنّ باسيل لا يستطيع أن ينضمّ لحملة السياديّين ضدّ السلاح الشيعي، فمكانه أيضاً ليس مع التغيريّين، حاملي الطرح الإصلاحي.
مسألة النظام؟ باستثناء النائب السابق فارس سعيد، لم يشوّه أحد الطرح الفدرالي بقدر ما شوّهه جبران باسيل. يكفي استعمال محرّك البحث غوغل لقراءة ما قاله جبران باسيل عن الفدراليّة ليتضّح اثنين: مدى رفضه لها وتمسّكه باتّفاق الطائف والدولة المركزيّة التي استفاد منها؛ وثقافة سياسيّة صفريّة لا تفهم أبجد هوّز مفاهيم سياسيّة أساسيّة كالفدراليّة، والدولة المدنيّة، وما شاكل. ولا غرو بذلك. بنهاية المطاف، باسيل واحد من سياسيّين كثر وصلوا إلى ما وصلوا إليه بحكم الزواج من عائلة سياسيّة، أو الولادة فيها، لا بحكم كفاءة شخصيّة أو مجهود فكري لم يعرف عنه.
حسناً. إن كان باسيل غير قادر على التصدّي لمسائل السلاح، والفساد، والنظام، فماذا يبقى له؟ التحريض ضدّ الللاجئين السوريّين. إذاً إلى التحريض در. جبران باسيل وجدها: هو لا يستطيع خوض المعارض الأساسيّة لأنّها تفترض تحدّي الأقوياء؛ لا بأس، تالياً، من التحريض على ضعفاء ما كانوا أصلاً أتوا إلى لبنان بالأعداد التي أتوا فيها لو أنّ حليف باسيل القديم، بشّار الأسد، لم يستعمل السلاح الكيمائي ضدّ أطفال شعبه، في غوطة الشام، وفي غير الغوطة. ولا يعني ذلك أنّ مسألة اللاجئين السوريّين في لبنان لا تحتاج لمعالجة جديّة تضع أولويّة المصلحة اللبنانيّة فوق أيّ اعتبار آخر. ولكنّ باسيل آخر من يمكن التعويل عليه للدفاع عن هذه المصلحة.