الثلاثاء, يناير 21, 2025
0.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

وليد المحب ـ خِطابُ القَسَمِ في مِيزانِ التَغيِيرِ السِياسِيّ

الحرة بيروت ـ بقلم: وليد المحب، مؤسِّس جَمعِيّة صَون حقّ التعبير  

صدقَ رئيسُنا المُنتَخَب في قولِه: “نحضنُ بعضَنا البَعض لأنه اذا انكسرَ أحدنا انكسرنا جميعًا”. إنها عبارة رائعة، تُوجِبُ علينا التأمُّلَ بين مَعناها ومَبناها، وبعيدًا عن المُجاملات، كان واضحًا أنَّ خطابَ القَسَمِ جاءَ جميلاً جدًا في المَبنى، وتلذَّذنا بسماعِهِ حتى ارتسَمَت علاماتُ البِشرِ على وجوهِنا، لكِن علينا واجِب الإشارةِ إلى ما يجعلُ المَعنى جميلاً كالمَبنى.

كان لا بُدَّ لنا مِنَ الانتظارِ يومَين، ريثَما تهدَأ مَوجَةُ العواطفِ الجَيّاشَة، حتى نُجري تقييمًا لِمَضمُونِ خِطابِ القَسَم.

ها هُم أغلب الأصدقاء الراغبين في التغيير السياسي في لبنان، أجمعوا على أنَّ “الرئيس جوزيف عون يقود مرحلة انتقاليّة نَحوَ تحقيقِ ما يتمنّونَ”.

في الواقع، ولغاية اليوم، ما مِن إجماع بين التغييريِّينَ حَولَ ما يتمنَّون، طبعًا هُم جميعًا بِحالةِ استِياءٍ مِنَ الأوضاع التي وصلَ إليها لبنان، لكن ليسَت لدَيهِم رؤية واحدة واضحة للتغيير.

أمرٌ ثانٍ يجعلنا غير مقتنعين بِعبارة “يقود مرحلة انتقالية”، وهو أنَّ الرئيس جوزِيف عون يخالُ أنّه قد وضع إصبَعَه على الجُرح الوطني النازِف، والصحيحُ في اعتقادِنا، أنّه قد وضع إصبَعَه بعيدًا جدًا عن ذلِكَ الجُرح الذي سيظلُّ ينزِفُ وينزِف، وسَنَنكَسِر جَميعًا إن لم نَتدارَكَ الأمر.

إن التفكير الرغائبي Wishful thinking ساقَ أغلب الأصدِقاء التغييريّين لِيَفهَموا ما بَشَّرَ بهِ الرئيس عَون اللبنانيين “مرحلة جديدة مِن تاريخهم”، على نحوٍ خاطئٍ وكأنّه قال “سأقودُ مرحلة انتِقاليّة”.

عندما يكون اعتقادنا مُستنِدًا إلى مَفاهيمَ صلبة بِعلم السياسة، يخرجُ اعتقادُنا مِن تصنيفهِ في خانةِ الرأيِ والرأيِ الآخر، فيُصبِحُ لِزامًا علينا أن نتكلَّمَ بصوتٍ عال، ويصبح لزامًا على الرئيس عَون أن يُصغي إلينا بِشَغَف، وأن يُجري تعديلاتٍ على بعضِ قناعاتِهِ التي تمنّينا لَو لَم نَسمَعَها مِنه في خِطابِه.

المُداوَرَة في وظائِفِ الفِئَةِ الأولى

آلمنا كثيرًا أن يتبنّى الرئيس جوزِيف عَون في خطابِهِ مبدأ المُداورة في وظائفِ الفئة الأولى، لأنّ هذه الطريقة في التفكير رتيبَةٌ وعالِقَةٌ في قفصِ الطائفية. فإذا كانت المُحاصصة المَعمُولِ بها قبلَ تبوُّئِهِ سُدَّةَ الرئاسة تُخَصِّصُ المَنصِبَ “أ” للطائفة المارونية، والمَنصِبَ “ب” للطائفة الكاثوليكية، والمَنصِبَ “ج” للطائفة الأرثوذكسية، والمَنصِبَ “د” للطائفة السنية، والمَنصِبَ “ه” للطائفة الشيعية، والمَنصِبَ “و” للطائفة الدرزية، فأيُّ تَغييرٍ جاءَ بِهِ الرئيس جوزِيف عَون؟ فمَعَ المُداوَرَةِ ستُصبِحُ المَسألة أسوأ مِن ذي قَبل؛ هذه المرة يُسنَد المَنصِب “أ” لابن الطائفة كذا، والمَنصِبَ “ب” لابن الطائفة كذا، إلى آخرِ المَعزوفةِ المَعروفة، التي تضربُ بِعَرضِ الحائِطِ مِعيارَ الكفاءَة.

لذلِكَ، نتمنّى أن يُعلِنَ الرئيس جوزِيف عَون رجوعَهُ عن مبدأ المُداوَرَة، وأن يدعو للنظر إلى كلِّ مُتَقَدِّمٍ لِوظيفَةٍ عامّةٍ مَهما عَظُمَت، على أنَّه ابن الوطن لا ابن الطائفة، وأنّ اللبنانيّ متساوٍ فِعلًا لا قَولًا معَ أخيهِ اللبناني في الحُقوق، سِيَّما الحقّ في التوظيف على ضَوءِ كفاءتِه وجدارتِه.

إن في تبنّيه المُداورَة، يستمرُّ الرئيس جوزِيف عون بعقليّة “تطمينِ الطوائِف”، مُنزِلاً السياسة إلى مُستوى مخاوِفِ قليلي الثقة بالنَفسِ مِنَ الناس، بدلاً مِن أن يساعدَ الناسَ كَي يتخلّصوا مِن خَوفِهِم، وكَي يتحلّوا بالثقةِ في أنفسِهِم بِفِعلِ تَحصيلِهِمُ العِلميّ، وكَي يُحيُوا سَلامَهُمُ الداخِلي، فيَرتَقوا إلى علاقةٍ تفاعُلِيّةٍ بينَ المَحَبَّةِ والسِياسَة، بَينَ العِلمِ والإبداع، أخذًا ورَدًّا.

إنَّ العملَ باقتِراحِنا هذا يتَوافَقُ معَ تَطبيقاتِ عِلمِ النَفسِ السِياسِيّ Political Psychology حيثُ أنَّ مِن شَأنِ إجلالِ مِعيارِ الكفاءَةِ في التَوظِيف، على لِسانِ رئيسِ الجُمهوريّة، أن يَضَعَ نَظرِيّةَ الوَكزَة Nudge Theory مَوضِعَ التنفِيذِ العَمَلانِيّ، فيَستَشعِرُ المواطِنُ أن ليسَ بَينَهُ وبَينَ تَوظِيفِهِ في مَنصِبٍ مَرموقٍ إلا أن يَجتَهِدَ في تحصيلهِ العِلمي، وفي مراكمة خبُراتِهِ وقدُراتِه، بعدَ أن كان يَركَنُ إلى دَورانِهِ في فَلَكِ الزعيم مُتَكاسِلاً ومُتَحَجِّرَ العَقل.

أزمَةُ حُكم

كلا، إنّها أزمَةُ نِظامٍ لا أزمَةُ حُكم، ويَجِبُ استِبدال أساس الدولة في لبنان، مِنَ تعاقُدِ طائِفيّ إلى عَقدٍ اجتِماعِيّ Social Contract، وتَغيِيرَ الدستورِ لا تغييرَ الأداء.

يقولُ عِلمُ الدَستَرَة أنَّ لِلدساتيرِ الحَديثةِ “أسنانٌ تعضُّ مَن يَنتَهِكُها”، وذلِكَ بِواسِطَةِ آليّاتٍ دُستُورِيَّة، تَتَّهِم وتَستَدعِي وتُقِيل.

في ظِلِّ ذاتِ النِظامِ السِياسِيِّ القائم في لبنان، وفي ظِلِّ ذاتِ الدُستور، قد يغادرُ الشَبعان لكِن حتمًا سَيأتي الجائِع. في ظِلِّ ذاتِ النِظامِ السِياسِيِّ وفي ظِلِّ ذاتِ الدُستور، حتى لو دَخَل إلى السُلطَةِ أو الإدارةِ مُواطِنٌ صالِحٌ فَسَوفَ يَفسدُ حَتمًا، لأنَّ نِظامَنا السِياسِيّ الحاليّ مُفسِد، وسرعان ما تَسري رُوحُ النِظامِ بسلوكِ المُوَظّفِ و “يزَبِّط حالو”.

ليسَت المُشكِلَة في عَدَمِ تَطبيقِ القَوانِين، بَل في القَوانِينِ نَفسِها. كيفَ لا والصِياغَةُ التَشريعِيّة في لبنان لَم تُواكِب التطوّراتِ الهائِلَةِ في أصولِ الصِياغَةِ التَشريعيّة، وما زالت القوانين تحفظ بالأدراج بذريعة “المراسيم التنفيذية” باستِثناءِ القوانينِ التي يَتَوافَقُ عليها الزعماء، فتَجِد طريقَها دونَ سِواها، بقدرةِ قادِرٍ إلى اللِجان.

مركزيّةُ الدَولَةِ والإنماءُ المُتَوازِن

كان جيدًا أن يتطرّقَ الرئيس جوزِيف عَون في خطابِه إلى موضوعِ الإنماءِ المُتَوازِن، لكن حتّى تُتَرجَم الأقوال إلى أفعال، لا بدَّ مِن دُستُورٍ عَصريٍّ يُقِرُّ مَبدَأَ تَفرِيعِ السُلطَةِ Principe de Subsidiarité الذي يَلحَظُ دونَ سِواه، الجيلَ الرابعَ مِن حُقوقِ الإنسان.

ختامًا، أمنِيَةٌ مِنَ القلبِ بِأن يَشهَدَ وطَنُنا الحَبيبُ لبنانَ في عَهدُ الرئيسِ جوزِيف عَون نَهضَةً، ولأجلِ ذلِكَ نجد أنَّهُ مِنَ المُفيدِ أن نَقتَبِسَ مِن تَجارِبَ دَوليّة ماثِلَة أمامَنا، حَيثُ أنَّ دُوَلاً كثيرَةً كانَت تُعاني التَخَلُّف، نَجَحَت في النُهوضِ والازدِهارِ فَورَ صِياغَةِ دَساتِيرَ عَصرِيّة، تَتَوافَقُ مَعَ مُستَجِدّاتِ عِلم السِياسَة، وحَيثُ لا يُوجَدُ هُناكَ سِياسِيّونَ ورجالُ دينٍ يَقولون: “أوعى تِفتَح سيرة الدُستور وإلا بتولَع حَرب أهليّة”، فهذِهِ العِبارَة التي تَلوكُها الألسُن بسذاجَةٍ في حَقلِ السِياسَةِ اللبنانية، تَنبَعُ مِن عَقلِيَّةِ الشُّحِّ والندرَة، بِخلافِ عَقلِيَّةِ الوَفرَة Abundance Mentality التي هِيَ في أساسِ كُلِّ سِياسَةٍ إبداعِيَّة.

https://hura7.com/?p=41498

الأكثر قراءة