الجمعة, مارس 21, 2025
17.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

وليد المحب ـ سُوريا بِخَير… لبنان بِخَير

Walid moheb

الحرة بيروت ـ بقلم: وليد المحب، مؤسس جمعية صون حق التعبير

نَجَحَت الصينُ في رَبطِ مَساحاتِها الجُغرافيَّةِ الشاسِعَةِ بِبَعضِها عَبرَ شَبَكَةِ قِطاراتٍ حديثة، وما زالَت تنجَحُ في ذلِك. في حينِ أنَّ الولاياتِ المُتّحِدَةِ الأميركيَّةِ تَجِدُ صُعوبَةً كبيرَةً في تَحديثِ شَبَكَةِ قِطاراتِها وسِكَكِها الحَدِيدِيَّة. ما العِبرَة مِن هذا الكَلام؟

العِبرَةُ مِن هذا الكلام أنَّ القديمَ يُعيقُ الجَديد، وأنَّ تَغيِيرَ الدُستورِ في الحالَةِ السورِيَّة – كما في الحالَةِ اللبنانِيَّة – خَيرٌ مِن إدخالِ تَعديلاتٍ عليه.

لقدِ انطَوَت مُسوَدَّةُ الإعلانِ الدُستورِيِّ على إلغاءِ دُستورِ 2012، وهذا أمرٌ جَيِّدٌ لأنَّ نِيَّةَ المُشَرِّعِ لِذاكَ الدُستورِ لَم تلحَظ الأهدافَ الوطنِيَّةَ ولَم تُعَبِّر عَن وجدانِ الأمَّةِ السُوريَّة، إلا أنَّ رُجوعَ صائغي مُسوَدَّةِ الإعلانِ الدُستوريِّ إلى رُوحِيَّةِ دُستورِ عام 1950 لَهِيَ سَقطَة يُمكِنُ تَدارُكها عِندَ صياغة الدستور الدائم، حَيثُ أنَّ المَفاهيمَ والمَبادِئَ الدُستورِيَّةَ الحديثَةَ تُوجِبُ فَهمًا مُختَلِفًا لِطَبيعَةِ الدساتيرِ ودَورِها وطرُقِ صِياغَتِها.

سألَني صديقٌ لبنانِيُّ عَن سَبَبِ اهتِمامي بِبناءِ الدُستورِ السوري، مُعتُبِرًا أنَّ في ذلِكَ تَدخُّلاً بِشُؤونِ الآخَرين، مُضيفًا العِبارَةَ اللبنانِيَّةَ الشعبِيَّة “اللي فينا مكفّينا”.

الغريبُ في الأمرِ أنَّ صَديقي إيّاه، يَنشُرُ بِاستِمرارٍ مَقاطِعَ فيديو ونُصوصًا عَن مَجزَرَةٍ هُنا ومَقتَلَةٍ هُناك في أنحاءِ سُوريا، ولا يكتفي بذلِكَ بَل يُعَبِّرُ على وسائِلِ التَواصُلِ عَن قناعَتِهِ القَطعِيَّةِ بِأَنَّ الجِهَةَ الفُلانِيَّةَ هيَ المَسؤولَةُ هُنا وهُناك، ويُطلِقُ الأحكامَ ويُوَزِّعُ المَسؤولِيَّات!

لَيتَنا جَميعًا نُدرِكُ ضَرورَةَ أن نَكونَ إيجابِيّين، مَفاتيحُ لِلخَيرِ ومَغالِيقُ لِلشَرّ، ونَسعى إلى ما يُفيدُ سُوريا ولبنان، بَدَلاً مِنَ التركيزِ على المَآسي والانزِلاقِ إلى ما يُؤجِّجُها، مُستَحضِرينَ في بالِنا على الدَوامِ أنَّهُ “لَن يَرتاحَ لبنان حتى تَرتاحَ سوريا”.

بِما أنَّ الدُستورَ هوَ تَنظيمُ البُنيانِ السِياسِيِّ لِلمُجتَمَع، وعَملاً بِالمُرادِ العِلمي والدَولي في دَستَرَةِ التَحَوُّلات، قرأتُ بِشَغَفٍ مُسوَدَّةَ الإعلانِ الدُستورِيِّ الذي أعدَّته لجنَة الخُبَراءِ السورِيّينَ السَبعَة، وسَجَّلتُ المُلاحظاتِ التالِيَة؛ وما لا يصحّ مِنها أن يُلحَظَ في الدُستورِ السورِيِّ المُؤَقَّت، رُبَّما يَصحُّ أن يُلحَظَ في الدُستورِ الدائِمِ مُستَقبَلا.

  • الملاحظة الأولى: بِحَسَبِ النصِّ الذي وَصَلني، لم تَندَرِج المَوادّ الـ 12 الأولى تحتَ بابٍ مُعَنوَنٍ كَبَقيَّةِ المَواد، ومِنَ الجيِّدِ أن تنصّ الوثيقة على البابِ الأوَّلِ تحتَ عنوان “أحكامٍ تَمهيدِيَّة”.
  • الملاحظة الثانية: بِحَسَبِ النصِّ الذي وَصَلني أيضًا، حُجِبَت المَواد التي حَمَلَت الأرقامَ مِن 28 إلى 32، وأيًّا تكُن أسبابَ ذلِكَ الحجبِ فَهُوَ أسوَأ ما يُمكِنُ أن تَشمَلَهُ مُسوَدَّةُ أيِّ إعلانٍ دُستورِيّ، لأنَّهُ بدَلاً مِن أن يَخفِضَ مَنسوبَ عَدَمِ اليَقينِ والتَرَدُّد – أهَمُّ غاياتِ الإعلانِ الدُستُورِيّ – يَرفَعُهُ إلى أقصى الدَرَجات.
  • الملاحظة الثالثة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 2 على: “دينُ رئيسِ الجُمهوريّة الإسلام، والفِقهُ الإسلاميّ هو المصدر الرئيسيّ لِلتشريع. وحرّية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماويّة وتكفل حرّية القِيام بِجَميعِ شعائِرِها على ألا يَخلّ ذلِكَ بالنِظامِ العامّ”.

أرى أنَّه مِنَ الأفضل تجنُّب ذكر ديانة رئيس الجمهورية، وذلِكَ تأكيدًا على مدنيَّة الدولة، وانسِجامًا مع المادّة 9 مِن ذاتِ الوثيق؛ وقد كان انتِماءُ الرئيسِ للطائفةِ السنّيةِ شرطًا عندما زعمَ الدِكتاتور حافِظ الأسد اعتناقَهُ المذهبَ السنّي، وهذا يشي بِأَنَّ سَيِّئات التنصيصِ على الدِيانَةِ تفوقُ حَسناتِه.

كذلك، مِنَ الأفضل استِبدال عِبارة “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع”، بِعبارَةِ “التشريع مُنفَتِحٌ على أيِّ نِتاجٍ عقلانيٍّ وإبداعيّ، يلتزِمُ بِمَعاييرِ الصِياغَةِ التشريعِيَّةِ الحديثَةِ، لا سيَّما أجندَة روكيبي، بِشَرطِ ألا يَتعارَضَ ذلِكَ مَع جَوهَرِ الدينِ وتعاليمِه”.

  • الملاحظة الرابعة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 8 على:تلتزم الدولة بتنظيم الاقتصاد الوطني على أساس العدالة الاجتماعية والمنافسة الحرة ومنع الاحتكار، ودَعمِ القطاعاتِ الإنتاجِيَّةِ وتَشجيعِ الاستِثمارِ وحماية المستثمرين بما يعزِّزُ التنمية الشاملة والمستدامة”.

مِنَ المُفيدِ إنشاء “مجلس المنافسة”، تماشِيًا مع التوجُّه العِلمي الحديث، سِيَّما لِجِهَةِ دَستَرَةِ الاقتِصاد. كذلِكَ مِنَ المُفيدِ التأكيد على الانفِتاحِ الدائم على جديد النظريّات الاقتِصادِيَّةِ والإبداعِيَّة، مِثلَ نظرِيَّةِ “التَمويلِ بِالنُمُوِّ”.

  • الملاحظة الخامِسَة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 10 على:تلتزمُ الدولة بِتطبيقِ مبدأ العدالةِ الانتِقالِيَّةِ بِما يضمَنُ مُحاسبَةِ المُجرمينَ وإنصافِ الضحايا وتحقيقِ العدالةِ وتكريمِ الشُهداءِ وِفقَ إطارٍ قانونيٍّ شامِل.

مِنَ المُفيد إنشاء “مجلس المُصارَحَة والاعتِذار”. ومِنَ الأفضل تفادي كَلِمَةَ “مُجرِمين” لأجلِ استيفاءِ صِفَةِ “الدسترة البَهيجَة”.

  • الملاحظة السادِسَة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 11 على:تلتزم الدولة بتحقيقِ السِلمِ والتعايُشِ الأهلي والاستقرارِ المُجتمَعِيِّ ومَنعِ أشكالِ الفِتنَةِ والانقِسام”.

مِنَ الأفضل التنصيص على التزام الدولة بِمَأسَسَةِ ما له صلة بتعزيز اللُحمة الوطنية، ومِنها توسيع المشاركة السياسية، سِيَّمَا لِجِهَةِ اعتِمادِ مبدأ تفريعِ السُلطة، وكافَّة تطبيقاتِ الديمقراطيةِ التشاركيةِ والديمقراطيةِ المُباشرة، دونَ التخلّي كُلِّيًا عَن أدواتِ الديمقراطية التمثيلية، سِيَّما البرلمان.

  • الملاحظة السابِعَة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 13 على: “تضمنُ الدولة حرّية التعبيرِ والرأيِ والإعلامِ والنَشرِ والصحافة، وتمارَسُ وِفقاً لِلقانونِ الذي ينظِّمُها بِما يضمن حماية النظامِ العامّ واحترامِ حقوقِ الآخرين”.

مِنَ المُفيدِ التَنصيصِ، مستقبلا في الدستور الدائم، على مأسَسَةِ ما يضمَنُ الحقوقَ العَصَبِيَّةَ لِلمُواطِنين، سِيّما ما يَتَّصِلُ مِنها بِهَيمَنَةِ الذكاءِ الاصطِناعيّ على المُجتَمع.

  • الملاحظة الثامنة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 14 على: “تحترم الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسُسٍ وطنيّة. تشكل لجنة لإعداد قانون الأحزاب، ويُعَلَّقُ نشاط وتشكيل الأحزاب حتى يُنَظَّم ذلك بقانون”.

مِن المفيدِ التنصيصِ على التزام الدولة بمقتضيات الحوكمة الرشيدة في القطاعين العام والخاص، سِيَّما لِجِهَةِ سيادة القانون والمساءلة والشفافية والنزاهة والإنصاف والمشاركة والنجاعة.

ومِنَ المفيد الانتباه إلى خطأ سياسي شائع، إذ ليس بقانون الأحزاب تنشأ الأحزاب الوطنية، إنما بقانون انتخاب نيابي يعتمد النظام النسبي في دائرة كبرى، ذلك أنَّ الرحم الذي ينجب الأحزاب الوطنية هو التنافس الانتخابي باللوائح المُغلَقَة، حيث تصل إلى النهائيات في عمليات فَرزِ الأصوات إلى لائحتين اثنتين، النواتين الحقيقتين لحزبَين سياسيين وطنيين نشيطين، فلا تولد الأحزاب الوطنية بشكلٍ معافى إلا مَع تتالي الدوراتِ الانتِخابِيَّةِ بِمَوجَبِ النِظامِ الانتِخابي المَذكورِ آنِفًا. وهكذا فقط، نحصلُ على حِزبٍ يَحكُمُ بِرُشد، ومُعارَضَةٍ تُعارِضُ بِمَوضوعيَّةٍ سَعيًا لِلتَحسين المُستَمِرّ.

  • الملاحظة التاسِعَة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 15 على: “تصون الدولة حقوقَ الإنسان وحرياته الأساسية وفق المواثيق والأعراف الإنسانية”.

مِنَ الجيِّدِ لَحظ الحقوقِ الترابيّة، والتدبير الحرّ، وبقيَّة مُندَرجاتِ الفِئَةِ الرابِعَةِ مِن حقوق الإنسان، باستِثناءِ ما يتعارضُ مِنها مَع القِيَمِ الدينيَّةِ وثقافَةِ المُجتَمَع، مِثل الحَقِّ بِالكَسَلِ والحَقِّ بِالمَوتِ الرَحيمِ، وتطبيع المِثلِيَّةِ الجِنسِيَّةِ، وإتاحة التَحَوُّلِ الجِنسِيّ إلا في الحالات التي يؤكِّدُ الطُبُّ وُجُوبَها.

  • الملاحظة العاشِرَة: نَصَّتِ المادّةُ رقم 25- مِن بين ما نَصَّت- على: “إقرار العفو العام”.

مِنَ المُفيد التنصيص على النية وراء العفو بإضافة عبارة “لإبعادِ مَنطِقِ الانتِقام وتَخَطّيًا لإرثِ الماضي”، وكذلك التنصيص على مَأسَسَة “لجنةِ الحِوارِ الوطني”.

  • الملاحظة الحادِيَة عشر: نَصَّتِ المادّةُ رقم 35 على: “السلطة القضائية مستقلة، ولا سلطان على القضاة إلا للقانون والضمير”.

مِنَ المُفيدٍ التَنصيصِ على إِنشاءِ آلِيَّةٍ دُستُورِيَّةٍ تُعَزِّزُ عَمَلِيًّا سُلطانَ القضاء، تَتَّهِم وتَستَدعي وتُقيل أي مواطن سوري، بما فيهم الرئيس.

  • الملاحظة الثانِيَة عشر: نَصَّتِ المادّةُ رقم 42 على:لا يَجوزُ تَعديلُ أيِّ حُكمٍ مِن أحكامِ هذا الإعلانِ إلا بِقَرارٍ مِن مَجلِسِ الشعبِ المُؤَقَّتِ وبِأغلَبِيَّةِ الثُلثَين”.

على أن تولى الاقتراحات العِلمية السياسية أهمّية خاصّة وإصغاءً دقيقا، لأنَّ قضايا الشأن العامّ ليست جَلِيَّةً أمامَ كلّ العُقولِ التي رغمَ ثقافَتِها تتبايَنُ بِطَرائِقِ تَفكيرِها، والمقصد التشريعي ينبغي أن يتوجَّهَ إلى ما يفيد الناس لا إلى ما يريدون، ذلك أن الديمقراطية العدَدِيَّة تُلغي دَورَ الفِكر.

ختامًا، مع احترامنا التام لأعضاء لجنة صياغة “الإعلان الدستوري”، وتقديرنا لسعة اطلاعهم وتمكنهم بِمجالات القانون وعلم الاجتماع، إلا أنَّ سوريا الحديثة تحتاج إلى مشاركة متخصصين بِمجالِ الدَستَرَةِ والإبداعِ السِياسِيِّ، وفي هذا الإطار نمدَّ اليَدَ رغبة بالمساهمة في هذا المسار الحضاري الراقي والإنساني.

https://hura7.com/?p=46783

الأكثر قراءة