الثلاثاء, أبريل 22, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

وليد المحب ـ لبنان: الطائِفيَّةُ السِياسيَّةُ قَيدٌ ذِهنيّ

Walid moheb

الحرة بيروت ـ بقلم: وليد المحب، مؤسِّس جمعيّة صَون حقّ التعبير

في مقالته المنشورة في صحيفة “الحرة” تحت عنوان “دولة الرئيس.. مهلًا” (https://hura7.com/?p=48978)، سأل المحامي جان نمور رئيس الحكومة نواف سلام عن سبب توقيت كلامه بخصوص إلغاء الطائفية السياسية.

“ليش هلأ بالتحديد”؟ سؤال يُوحِي بأنَّ الأمور في لبنان كانت تسير بانتظام طيلة المئة سنة مِن عمره! والصحيح أن لبنان منذ ولادته، امتزج دستورُه بالخوف، فَوُلِدَ نظامُه السِياسيّ مشَوَّهًا وغير قابلٍ لِلحياة.

قد يقول قائل بأنَّ مشكلة لبنان ليست في نظامه السياسي مُستَدِلًّا على ذلك بمقولة “سويسرا الشرق”، للإشارة إلى فترة رخاءٍ شَهِدَها لبنان عندما كانت الصلاحيات الأوسع بيد فئة معينة مِنَ اللبنانيين. لكن الصحيح أنَّ فترة الرخاء تلك لم تكن نتيجة نظامٍ سياسيٍ رشيد، ولا نتيجة اقتصادٍ قوي، ولا ناتِجٍ مَحَلّيٍّ عالٍ، بل كان رخاءً هَشًّا مُرتَبِطًا بِالمُصادَفاتِ التالية:

  • أموال سمسرة عقارات فلسطينية، بيعت للوكالة اليهودية عبر وسطاء وضعوا رساميلهم الضخمة في مصارف لبنان، حيث السرية المصرفية.
  • تهريب أثرياء سوريا ومصر أموالهم الطائلة إلى لبنان، خوفًا مِن أن يطالها التأميم، في زمن الجمهورية العربية المتحدة.
  • ظهور الطفرة النفطية الخليجية، واستملاك النافذين الخليجيين عقارات في مناطق الاصطياف.
  • تدفق الأموال العربية عمومًا والخليجية خصوصًا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي حصلت آنذاك على موافقة عربية ولبنانية للتمركز في لبنان.

مَن يظنّ أن نظام لبنان السياسي صالِح مُستَدِلًّا بِفترة الرخاء تلك، هو مُشتَبِه، ومُنزَلِق في معضلة عقلية شَهيرَة، ألا وهي معضلة الارتباط والسببية Corrélation et Causalité؛ لقد كانت فترة رخاء بِالفِعل، لكن لم تكن أبدًا بسبب النظام السياسي.

بالعودة إلى مضمون مقال المحامي جان نمور، فقد اعتبر أن إلغاء الطائفية السياسية في لبنان كان مطلب اليسار اللبناني في ستينيّات القرن الماضي! وهنا نودّ لفت عناية الأستاذ نمور، وجميع الأخوة اللبنانيين الذين يفكّرون بهذه الطريقة، أنَّ استِحضار الماضي وإسقاطه على الحاضِر، ثم التقوقع فيه، هو تمامًا نقيض الإبداع السياسي الذي يوجب إعادة تقدير الموقف باستمرار، وأن نعيش اللحظة مُتَمَتِّعينَ بعقلية الوَفرَة لا النَدرَة، أي إكثار الخيارات لا تقليلها.

وما هي إلا أسطر قليلة، حتى ظهر تناقضٌ واضح في مقال الأستاذ نمور! إذ انتقد مِن جهة النظريات السياسية التي تدعو إلى ذوبان الفرد لصالح المجموعة مؤكدًا أن الطرح الفكري المعاصر يقدِّس الفرد بمعزل عن الجماعة، وفي نفس الوقت يتمسَّك بالطائفية السياسية التي هي بوتقة تنصهر فيها فردية الفرد لصالح الطائفة!! هل نسينا أن لبنان لم يقم على عقد اجتماعي بين المواطنين وأنّه قام على تعاقد بين الطوائف؟! هل هناك تذويبًا لِلفرد في الجماعة أوضح وأكبر وأخطر مِمَّا هو في نظام لبنان السياسي الطائفي المُتَرَنِّح؟!

ثمّ يتحدث الأستاذ نمور عن المخاطر والصدمات عبر الأجيال، وعن المجاعة، ويستعرض مسبِّبات كثيرة لِلمشاعر السلبية؛ ونودُّ هنا الإشارة إلى ما أقرَّه جديد العلوم السياسية، وتحديدًا الإبداع السياسي، أنّه مَع المشاعر السلبية يَتَدَحرَجُ الوَعيُ إلى القاع ويحلّ البؤسُ على الجَميع، ومَن أراد الاستزادة في هذا الموضوع يمكنه قراءة كتاب “الشفاء” لإبن سينا، وسلَّم الوعي لـِ”دايفيد هاوكنز”.

أتمنّى على الأستاذ نمور، وعلى جميع المثقّفين اللبنانيين، أن نتعاون جميعًا وأن نولي الوعي السياسي أهمية أكبر، وأن نُعمِلَ خيالَنا السياسي بشكلٍ جميلٍ لأنّه مفتاح خلاصِنا جميعًا، بِحيث نضع الواقع وتعقيداته جانبًا، ونتصوَّر معًا، وبمحبّةٍ جيّاشَة، أحلى صورة للبنان الذي نريد، وننطلق معًا ببهجةٍ عارمةٍ وشغَفٍ كَبير، إلى ترجمة صورتنا الخيالية لتصبح واقعًا حقيقيًّا. إنها مسؤوليتنا إن كنا فعلًا نخبة لبنانية مثقفة، وإن لم نفعلها فلن يفعلها سوانا، وسنظلُّ في دَوّامَةٍ قِوامُها خَوفٌ فَكراهِيَةٌ فَعُنف.

في الحديث عن أثر المشاعر السلبية على الوعي، يحضرنا ما قاله الأديب اللبناني “ميخائيل نعيمة” في كتابه “الغِربال”: “هَمَجٌ يتباغَضونَ ويتَناحَرونَ باسمِ الدين”. وكذلِكَ قال: “وإن وَسِعَت عُقولُهُم جَميعَ ما في كُتُبِ الفَلسَفَةِ والدين، فَقُلوبُهُم فَراغٌ مِنَ اللهِ الذي هُوَ الجَمالُ المُطلَق، والمحَبَّةُ المتَناهِيَة”.

نُسَجِّلُ لِلأستاذ نمور إشارته إلى وجوب اعتماد صيغة متطورة للفيدرالية في لبنان، وهذا يعني نظام سياسي جديد، ونحن نؤيده فيه، لكن ليس بصيغة الكانتونات الفيدرالية التي تكرِّس الطائفية السياسية وتعلي شأن الطوائف، بل بصيغة تفريع السلطة La Subsidiarité التي تعلي شأن الإنسان وتوفّرُ الحوكمة الرشيدة.

https://hura7.com/?p=49049

الأكثر قراءة