الحرة بيروت ـ بقلم: وليد المحب، مؤسِّس جمعيَّة صَون حقِّ التعبير
تنتشر في كلِّ بلدان العالم آفة المخدّرات، وإذا كانت لانتشار هذه الآفة أسبابٌ معينة عبر العالم، فإنَّ لانتشارها في لبنان أسبابًا إضافية فريدة مِن نوعِها، لا نجِدُها في أيّ بلدٍ آخر، حتى أنَّنا نكاد نتحدَّث عن “سياسة تخديرية لبنانية”.
عالميًّا، تقف وراء تعاطي الإنسان لِلمخدّرات أسبابٌ يعرفها الجميع، فالمُتعاطي بشكلٍ عامّ هو إنسانٌ أحبطته مشاكله التي عجز عن معالجتها، وهي في الغالب مشاكل نفسية واجتماعية، جعلته متعطِّشًا للسعادة والنشوة.
في كلّ بلاد العالم، تدفع الضغوط الحياتية الإنسانَ للازلاق في آفة المخدّرات، وتجتمع أسباب عديدة أخرى مثل مُجالسة رفقاء السوء، الفضول وحبّ التجربة عند الناشئين، والمعاناة مِنَ الآلام العاطفية عند المراهقين، وبلا شكّ، سُهولة الحصول على المُخدّرات.
للإعلام اللبناني دورٌ كبيرٌ في نشر آفة المخدّرات، ولا يغيِّرُ في الحال شيئًا أن تبثّ قنوات التلفزة اللبنانية مقاطع توعويّة تَرِدُها مِن جمعيات مدنية تنشط في هذا المجال، فقنوات التلفزة مِن جهة تُذَكِّرُ الناس بالمخدّرات، ومِن جهة ثانية تقدِّم لِلمشاهدين سرديّات تروِّج الاتِجار بالمخدّرات وتعاطيها، وقد شاهدنا مِرارًا مُسَلسلاتٍ لَعِبَ فيها مُتَوَرِّطونَ بِالمخدَّراتِ أدوارَ البطولة، وكذلك حين استضافت أكثر مِن قناة تلفزيونية مُنتِجي ومُصَدِّري ومتعاطي المُخدّرات في لقاءاتٍ حِواريّة، بهدف تحقيق سَبق إعلامي، دونَ أي اعتبارٍ للأثر الأخلاقي والسلوكي في المجتمع، لا سيَّما على الجيل الصاعد الذي يبحث فِطريًّا عن قدوةٍ يهتدي بها.
للميليشيات مصلحة كبيرة في انتِشار آفة المخدّرات بين أتباعها، ذلك أنَّ المخدّرات تُكَرِّس حالة جهلهم وتمنَعُهُم عن التفكير. كما أنَّ الميليشيات تُدرِكُ أنَّ هشاشة المجتمع تصُبُّ في صالِحِ نفوذِها حيث إنّها تتيح بدرجة أكبر إخضاع الناس والتحكُّم بهم مِمّا يجعلهم يتأقلمون ويقبلون مَرارة الواقِع. وهنا يحضرنا قولُ الروائية الألمانية ماري فون إبنِر: “العبيدُ السعداءُ هُم ألدُّ أعداءِ الحرّية”.
ختاما، وإضافة لما سبق، تبقى الإشارة إلى واحدة مِنَ الوظائف السياسية لِلمخدَّرات، حيثُ إنَّها تشكّل مادّة لِلتراشق الإعلامي وتقبيح صورة الخُصوم، وكأنَّ الميليشيات ليست في السُوءِ حالاً واحدًا، إن لِجِهَةِ اقتِناءِ السِلاح، أو لِجِهَةِ اعتِمادِ سِياسَةِ التخدير.