الحرة بيروت ـ بقلم: وليد المحب، مُؤسّس جَمعِيّة صَون حقّ التعبير
كتاب مفتوح إلى السادة جوزيف عون ونوّاف سلام مع المحبَّة،
لدينا في لبنان مَثَلٌ لطيفٌ في الثقافة الشعبية يقول: “بِتشيل إيدَك بتِعلَق إجرَك”، وهذا المثل يَصِفُ نَوعًا مِنَ المُشكِلاتِ التي ما ان نشرَع في حلِّها حتى تَتَحوَّلُ إلى مَتاهَة Labyrinthe، وتَغدو مُحاولةُ حلِّها مُستَحيلَة كَمَن يَدُورُ في حلقةٍ مُفرَغَة.
ينطبقُ هذا المثل على النظامِ الطائفيّ اللبنانيّ الأشبَه بـِ”قضيب الدبق”، بِمَعنى “مِنشيل إيدنا بتِعلَق إجِرنا”؛ تلتصِقُ اليدُ بِالميثاقيّة، وفي حالِ نجَحنا في فكّها، سُرعانَ ما تعلقُ الرجلُ بِالثُلثِ المُعَطِّل، وما أكثر مُفرداتِ قاموسِ السياسةِ اللبنانيةِ التي تتعارضُ معَ السياساتِ الرشيدة.
إنّني أحتَرِمُ تخصُّصَ الرئيس جوزيف عون في العلوم العَسكريّة كما تخصُّصَ الرئيس نوّاف سّلام بِالعُلومِ القانونيّة، لكن أتمنّى أن يُحترم تخصُّصي في العُلومِ السياسية، فيُؤخذ باقتِراحي العِلمي:
لا يمكن أن تنجح أي مَساعٍ وظيفيّة Fonction عِندَما تكونُ المُشكِلَة بُنيَوِيَّة Structure. لِذلِكَ، وبِهَدَفِ إنجاحِ العهدِ الحالي الذي هو حُلم جَميع اللبنانيين، أبيِّنُ لكُم بِمَحبَّةٍ أنَّ مشكلة لبنان ليسَت كما وردَ في خِطابِ القَسَم، أي ليست مشكلة حُكمٍ وأداء، بل هي مشكلة نِظامٍ ودُستور.
مِنَ المفيدِ جِدًّا مَدّ جُسورِ التعاونِ بِاتجاهِ جميع اللبنانيّين، والعمل على أن لا تَبقى شريحة لبنانية واحِدَة مَكلومَة، فإذا كانت هناكَ شريحة لبنانية مكلومة غير قادِرَة على الحُكم، فإنها تبقى قادِرَة على العَرقَلة. ومعَ دُستورٍ عَصريٍّ لِلبنان، نصيغُه بطمأنِينَةٍ ومَحبّةٍ ورَجاء، سَيَشعُرُ كلُّ لبنانيٍّ بِمُعادَلَةِ رابح- رابح، وبأنَّه غير مُستَثنى مِنها. عندئذٍ لَن نَسمَع “فليعيشوا تجربتَهُم وسنَرى”، بل سنَسمَع “هيَّا بِنا نخوضُ تَجربتَنا ونرتَقي”.
نَستَطيعُ أن نَتجاوَزَ مَرارَة الواقِع عبرَ تفعيلِ خيالِنا الإيجابي والخروج عن ما استقرَّت عليهِ قناعاتُنا. فلِماذا لا نُحرِّرُ عقولَنا مِن أحكام الدُستور البالي؟ وهل هي المَرَّة الأولى التي نتَجاهلُ فيها اشتراطات الدُستور؟ لِماذا لا نُجري عَصفًا ذِهنِيًّا لابتِكارِ طَريقةٍ ليسَت مَوجودَةً بعد؟ وإلى متى سنظلّ سُجَناءَ حُزمَةٍ مِنَ أعرافٍ ما كانَت لتنبُتَ لولا رَداءَةِ الدُستور؟
ليسَ عيبًا أن نتخلَّصَ مِنَ الدُستورِ الذي باتَ عِبئًا علينا وعلى أجيالِنا القادِمة، وليسَ عيبًا أن نُعمِلَ خيالَنا الجَميل، وأن نتمتّع بعقليَّةِ الوَفرَة، وأن نَسلُكَ مَنهَجَ التفكيرِ العَكسيّ.
قَد يَصِفُ البَعضُ كلامَنا هذا بِأنَّهُ غَير مَنطِقيّ، والصحيح هو أن كلامنا يوافق عليهِ آينشتاين صاحب العِبارة الشهيرة: “يأخذنا المنطق مِنَ النقطة (أ) إلى النقطةِ (ب)، أمَّا الخَيالُ فيأخُذنا إلى حَيثُ نُريد”.
إنَّنا نعيشُ في زمنِ السَطحيَّةِ والتفاهة، وقد يرفض أغلب الناس الخروج عن الدُستور ظنًّا مِنهُم- بسبب الخيال المعطوب – أنَّ ذلِكَ سيُشعِلُ حَربًا أهلِيَّة، لكِن على القِيادَةِ السياسيَّةِ الحكيمَةِ أن تَعمَلَ على تَحقِيقِ ما ينفع الناس، لا إلى تحقيق ما يطلبون.
يَشتَرِطُ الإبداعُ السِياسِيُّ عَدَمَ الانطِلاقِ مِنَ الواقِعِ وتَعقيداتِه، بَل مِن صُورَةٍ خياليّةٍ جَميلَة، تَتَكَوَّنُ بِدايَةً في عَقلِ شَخص، ثمَّ يَقتَنِع بها أشخاصٌ آخَرون حتى تُصبِحَ رُؤيَةً جَماعِيَّةً Vision Collective يتمُّ تَحويلَها إلى مَطبخِ القرارِ السياسيِّ لِوَضعِها مَوضِعَ التَطبيق.
خِتامًا، حضرات السادة جوزيف عون ونوّاف سلام، إنَّ الحرَكة التَصحِيحِيَّةَ لِثورَةِ 17 تِشرين- تَنَدُّرًا – سَوفَ تُؤَيِّدُكما وبشغفٍ جماهيريٍّ كَبير، عِندَما تُبادِرانِ إلى تَشكيلِ لَجنَةٍ لِصياغَةِ دُستورٍ جَديد، على أن يُطرَحَ مُباشَرَةً بعدَ إنجازِهِ على استِفتاءٍ شَعبِيّ، ونأكل “المغلي” بمناسبة ولادة الدستور الجديد، وبهذا نكون جميعًا قد تجاوَزنا كلَّ العَقباتِ التي يُوجِبُها الدُستورُ الحاليّ. وعلينا أن نتذكر دومًا، أنه منذ 1943، توجَدُ مُبرِّراتُ لِتَسويفِ تَنفيذِ كُلِّ الخُطواتِ المُستَحِقَّة لأجلِ نُهوضِ الوطن.