بيروت ـ بقلم: وليد المحب، كاتب لبناني
هل مِن عاقلٍ على وجهِ الأرضِ لا يريدُ السلام؟ طبعًا لا!
هل عَجِزَ المُجتمعُ الدَوليُّ عنِ اكتِشافِ شُروطِ السلام؟ طبعًا لا!
فما هو سبب استِمرار الحروب إذًا؟
اكتشف المجتمع الدولي أهمّ شروط السلام في العالَم، وكان صادِقًا عندما وضع ميثاق الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو سنة 1945، حيث أقرَّ بصراحة ووضوح بِحَقِّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولحَظَ الميثاق الصادر يومَها أنَّ “حقّ تقرير المصير” هو مِن أسُسِ الحرية والعدالة والمساواة والسلام في العالم.
عُقبَ الحرب العالمية الأولى، صدرت التوصيات النهائية لِلجنة “كينغ-كراين”، تلك اللجنة التي نظّمَت عرائِضَ استَفتَت بمُوجَبِها آراءَ السكان. وجاءت التوصيات مُنصِفة للشعب الفلسطيني ومُعترِفَة بحقِّه في أرضِه، إذ رفضَت اللجنة في توصياتها استجلابَ مُهاجِرين مِن خارج أرض فلسطين وإحلالِهِم مَحَلَّ الشَعبِ الفِلَسطينيّ بعمليّة اغتِصابٍ لا يقبلها العقل ولا الأخلاق ولا أية قيمةٍ إنسانية.
إلا أنَّ المجتمع الدولي وقف عاجزًا، وخضع للابتزاز والاستِقواء، ولَم ينجح في مَنعِ الاحتِلالِ ووقف الظلمِ وكبح الغطرسة، فبَقِيَت مِنطَقة الشَرقِ الأوسَطِ مُفخَّخَة ومُلتَهِبَةً مُنذُ ذلِكَ الحين، وباتَت المِنطقة بؤرةً لِحُروبٍ دَمَويّةٍ تتَجَدَّدُ جيلاً بعدَ جيل، وستظلّ تتَجَدَّدُ بِحَركاتٍ شعبيّة وعسكريّة، وأحزابٍ وكتائبَ وفصائلَ وتيّاراتٍ مُختَلِفَة، قد يروحُ بعضُها مع مُرورِ الزمَنِ لكِن لا بُدَّ أن يَجيءَ غَيرُها إلى أن “يصحّ الصحيح”. والصحيحُ تعرفه منظمة الأمَمِ المتحِدَة جيِّدًا في قرارَةِ نَفسِها، لكن تِلكَ المُنظمة، نراها مشغولةً عن إحقاقِ الحَقِّ بِفَرفَكَةِ عُيونِها مِن أثرِ الغُبارِ الذي تنشُرُهُ اللوبيات، كَي تضيعَ الحقيقة. وأيّة حقيقة؟ الحقيقة المُحَرِّرَة.
ما علاقة “ميونخ 38” بِلَجنَةِ “كينغ- كراين” ومصير الشعب الفلسطيني؟
أمامَ غَطرَسَةِ أدولف هتلر، انصاعَ المُجتَمَعُ الدَولي وسَمحوا له بضمّ منطقة السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا، في لِقاءٍ تآمُري لم تُدعى إليه تشيكوسلوفاكيا، تمَّ في ميونخ بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 1938. ورغمَ رَفضِ “ونستون تشرشِل” لمُقرّراتِ ذلك اللقاء، بل ولعقده بالأساس، إلا أنَّ المؤتمرون وهم: أدولف هتلر عن ألمانيا، إدوار دلادييه عن فرسنا، نيفيل تشامبرلين عن بريطانيا، بينيتو موسوليني عن إيطاليا. كلّ هؤلاءِ أصرّوا على إعطاءِ هتلر ما يريد، ظَنًّا مِنهُم أنّهم بذلك سيأمنونَ شرَّهُ. فبدلًا مِن أن يعملوا لأجلِ الحَقّ، عَمِلوا لأجلِ الباطِل، فلم تكُن النتيجة إلا اشتعال الحَربِ العالمية الثانية.
هكذا، ومنذ اتفاقية ميونخ سنة 1938 صار إبرام الاتفاقيات مع القِوى العُدوانية دَعوة لِلحرب، لا سببًا لِمَنعِها. ورغم وضوحِ التجربة، كرَّرَ التاريخ نفسه في فِلَسطين، وسيظلّ يتكرَّرُ مَرّاتٍ ومَرّات، وفي كلّ مرّةٍ ستأتي النتائج أكثرَ كارثية، إلا إذا “صحّ الصحيح”.