بقلم: يوسف حسين
يعتمد سكان القرى الجنوبية في لبنان على موسم الزيتون الذي يُعَدّ بالنسبة للكثيرين منهم نوعاً من علاقة روحانية متوارثة من الأجداد الى الآباء فالأبناء.
يحلّ الموسم هذه السنة في الجنوب اللبناني على وقع استمرار عدوان القتل والدمار والخراب، حيث لا آفاق لوقف هذا العدوان الهمجي في المدى المنظور. وبعدما كانت حقول الزيتون وكرومه تعجّ بالمواطنين صغاراً وكباراً، شيوخاً ونساء، بات اليوم أكثر من نصف الأراضي خالياً من السكان.
هذه السنة تختلف عن سابقاتها. فالموسم لم تكتمل فرحته ككل عام بسبب الاعتداءات اليومية المتكررة التي تسببت بتداعيات كارثية على مختلف القطاعات. ورغم أن موسم الزيتون يستحصل على الحصة الأكبر لما يمثله لسكان القرى الجنوبية من مصدر رزق ينتظرونه كل عام، إلّا أنه، حين حان موعد القطاف، اشتدّت الحرب أكثر، الأمر الذي حرّم قطف الزيتون في المناطق الحدودية بشكل كامل.
وعليه، بات مؤكداً أن إنتاج لبنان من الزيتون والزيت سيتأثر سلباً هذا الموسم، إلّا أن ذلك لا يعني فقدان مادة الزيت، لا سيما وأن مزارعي مناطق الشمال اللبناني وجبل لبنان يعملون على جني محصولهم بشكل طبيعي.
الأسعار على ما يبدو ستستمرّ بالارتفاع بعد أن فقد المزارعون في قرى الحافة الأمامية القدرة على الوصول إلى بساتينهم. وبسبب توسّع الحرب، امتدّ الخطر ليشمل كلّ أراضي محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، إنّما بنسب متفاوتة. فعدد قليل من المزارعين في القرى الآمنة في قضاء صيدا، وتحديداً قرى شرق صيدا، استطاعوا الوصول إلى حقولهم، وبدأوا فعلاً بعملية القطاف.
صحيح أن بعض الأهالي في الجنوب تمكنوا من الحصول على %30 تقريباً من محاصيلهم، إلا أن خروج الزيتون الجنوبي من الحسابات الزراعية انعكس انتعاشاً في مناطق أخرى تنتج الزيتون والزيت، مثل محافظتي عكار والشمال حيث من المتوقع ارتفاع الأسعار. وهذه المناطق تنتج 61% من مجمل إنتاج لبنان من الزيتون، بالإضافة إلى 712 ألف تنكة زيت سنوياً، أو ما يعادل 59% من مجمل زيت الزيتون المخصّص للطعام، وفقاً لأرقام وزارة الزرعة. هذه النسبة باتت تساوي في حسابات هذا الموسم 100% بسبب غياب الإنتاج الجنوبي البالغ 19.5% من مجمل إنتاج الزيت، أو نحو 240 ألف تنكة زيت.
من المرجّح أن يتراوح سعر تنكة الزيت لهذا الموسم في بعض المناطق اللبنانية بين 160 و200 دولار أميركي. أما في قرى صيدا حيث بدأ القطاف، فلن يتخطى السعر الـ150 دولار. غير أنه من المتوقع أيضاً ألّا يبقى سعر الزيت على حاله مرتفعاً، بل أن ينخفض مجدداً ليصل سعر التنكة إلى 100 دولار أميركي، وذلك بسبب غزارة موسم الزيتون هذه السنة والكميات الكبيرة من الثمار التي يحملها الشجر، شرط أن تقوم الدولة اللبنانية بدورها وتمنع التجار من احتكار الزيت ورفع أسعاره في ظل الفوضى التي تعم البلاد.
هو موسم الزيتون، موسم الخير والبركة. يذكّرنا بزمن أجدادنا الجميل، أيام “العونة والمساعدة” حيث يبدأ النهار باكراً مع بزوغ الفجر، ويمتدّ حتى مغيب الشمس. أجدادنا الذين عاملوا الأشجار بكل اهتمام ولم يقبلوا باستخدام العصا (ما يعرف بالـ”شرشاق”) لضرب الحبات العالية حتى لا تنكسر الأغصان. هم الذين قطفوا الزيتون بأيديهم وأطلقوا عليه أمثالاً شعبية: “الزيتونة بتجيب الزيت وبنت الأصل بتعمر زيت” و”اقعد ببيتك واغمس خبزك بزيتك”. هو، وبكل بساطة، لبنان الخير والبركة رغم كل الصعاب.