الإثنين, سبتمبر 16, 2024
17.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إنفجار مرفأ بيروت: بين الحقيقة والتكهّنات ـ الجزء الخامس. بقلم كارين عبد النور

 

تعدّدت الأسباب والكارثة واحدة ـ الجزء الخامس

في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، دخل جهاز أمن الدولة إلى مرفأ بيروت بهدف مكافحة الفساد. وتمركز فيه ميدانياً بعد إنشاء مكتب مرفأ بيروت التابع للمديرية العامة لأمن الدولة برئاسة الرائد جوزيف النداف. وخلال معاينته العنابر، اكتشف الرائد النداف وجود ثغرات في العنبر رقم 12. أما بابه الذي يحمل الرقم 9، فكان مخلوعاً إضافة إلى وجود فجوة في الحائط الجنوبي للعنبر. وتبيّن له وجود كميات كبيرة من مادة نترات الأمونيوم التي تُستخدم في صناعة المتفجرات، فيما الإدارات الرسمية لم تقم بالإجراءات اللازمة لإبعاد الخطر الذي تُسبّبه هذه المادة إذا ما تعرّضت للسرقة أو الحريق.

تقاذُف المسؤوليات يتواصل

عندها طلب المدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صليبا، من الرائد النداف التنسيق مع مكتب أمن المرفأ في مديرية المخابرات، فتواصل مع رئيس المكتب، العميد أنطوان سلّوم، وأبلغه بمحتوى التقرير. لكن سلّوم نفى علمه بالأمر وطلب منه مراجعة مسؤول المانيفست في الجمارك، نعمه البراكس، الذي أكّد معرفته بوجود نترات الأمونيوم، لافتاً إلى قيامه بإرسال طلبات عدّة للجهات المعنية والقضائية لمعالجة الموضوع دون أي استجابة من أحد.

بعد اطلاع المديرية العامة لأمن الدولة على موقف العميد سلّوم، اتّصل النداف بمفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي بيتر جرمانوس، وأبلغه بوجود مادة نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12. فاعتبر جرمانوس أن الموضوع ليس من اختصاص النيابة العامة العسكرية وأن الملف تجري متابعته من قِبَل قضاء العجلة، لكون قاضي الأمور المستعجلة سبق وأصدر قراراً قضى بإفراغ المادة في العنبر رقم 12 وأجرى المقتضى القانوني.

 

دياب يتراجع والانفجار يقع

في اليوم ذاته، اتّصل الرائد النداف بالمدّعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، وأطلعه على تفاصيل الملف ومجريات التحقيق الذي خلص إلى وجود 2750 طناً من نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12. وبناء عليه، أشار عويدات للرائد النداف بتوجيه كتاب إلى هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت بغية تأمين حراسة للعنبر وتعيين رئيس مستودع ومعالجة الفجوة في الجدار وصيانة كافة الأبواب وإقفالها بإحكام. وهكذا حصل.

من جهته، علم رئيس الحكومة، حسان دياب، بوجود مادة نترات الأمونيوم في 2020/06/03 وأبلغ الأجهزة الأمنية نيّته زيارة المرفأ واستطلاع الوضع هناك، لا سيّما العنبر رقم 12 وما يحتويه. لكن في اليوم التالي، وبعد ترتيب الإجراءات الأمنية اللازمة، أبلغ أحد الضباط الرئيس دياب أن المادة موضوع البحث ليست خطرة وأنها ليست سوى سماد زراعي، فتمّ تأجيل الزيارة.

في الرابع من آب/أغسطس 2020، وتنفيذاً لإشارة المدّعي العام التمييزي، القاضي عويدات، تمّ استقدام شركة صيانة لترميم الفجوة وصيانة جميع الأبواب. لكن بعد الانتهاء من أعمال التلحيم وخروج عمال الصيانة من المرفأ (عند الساعة الخامسة والنصف عصراً)، نشب حريق داخل العنبر رقم 12. فتوجّهت فرقة من مركز إطفاء بيروت لإخماده لكنها لم تستطع السيطرة عليه بفعل وجود كميات كبيرة من المفرقعات النارية ومواد قابلة للاشتعال، فتوسّع الحريق وكان الانفجار الكبير عند الساعة السادسة والدقيقة الثامنة.

تقاعُس أم تخريب؟

على الفور، شكّلت الحكومة اللبنانية لجنة للتحقيق في كارثة المرفأ، وخلصت في تقريرها إلى تحديد المسؤوليات ورفع لائحة من عشرين إسماً من مدراء ومسؤولين، بينهم المدير العام للجمارك، بدري ضاهر، وسلَفه، شفيق مرعي، ورئيس اللجنة المؤقتة لإدارة المرفأ، حسن قريطم، والمدير العام للنقل البري والبحري، عبد الحفيظ القيسي. فجرى توقيفهم إضافة إلى أشخاص عدّة آخرين.

لم تكن ارتدادات الانفجار جغرافية فحسب، إنما سياسية أيضاً. إذ هي طالت حكومة الرئيس دياب الذي أعلن استقالتها في العاشر من آب/أغسطس 2020 معرباً عن أن منظومة الفساد أكبر من لبنان. وقبل استقالتها، أحالت الحكومة قضية الانفجار إلى المجلس العدلي – باعتباره أعلى سلطة قضائية – بناء على اقتراح وزيرة العدل آنذاك، ماري كلود نجم، ليتمّ الاتفاق على تسمية القاضي فادي صوان قاضياً ومحقّقاً للمجلس العدلي.

 

 

صوان يستلم ويدّعي

في 2020/08/14، تسلّم القاضي صوان مهامه على وقع ارتفاع أصوات مطالِبة بلجنة تحقيق دولية، رغم مشاركة فريق من المحقّقين الأجانب في التحقيقات. ومع أن تقرير فريق تحقيق المكتب الفيدرالي الأميركي أكّد أن الانفجار كان حادثاً عرضياً تسبّب به حريق داخل العنبر رقم 12 نتيجة أعمال التلحيم وأن الكمية التقديرية لمادة نترات الأمونيوم المنفجرة بلغت 552 طناً، ذهب البعض أبعد من ذلك معتبرين أن الانفجار عمل تخريبي نفّذته اسرائيل بعدما كانت قد ادّعت على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بوجود مخازن أسلحة لـ”حزب الله” في المرفأ.

في 2020/12/10، وفي خطوة فاجأت الرأي العام اللبناني، ادّعى صوان على كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، والوزراء السابقين: علي حسن خليل، غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، بما وصفه بجرم التقصير والإهمال. ادّعاء رأى فيه دياب خرقاً للدستور وتجاوزاً لصلاحيات مجلس النواب الذي اعترض بدوره على القرار. عندها، تقدّم كلّ من خليل وزعيتر بطلب نقل الدعوى من القاضي صوان إلى قاضٍ أخر، لوجود ارتياب مشروع حول دستورية الادعاءات وموضوعيّتها. وفي اليوم التالي، علّق القاضي صوان التحقيقات في الملف لمدة عشرة أيام، وهي المهلة القانونية التي على المحقّق العدلي أن يقدّم خلالها جوابه على طلب كفّ اليد عن الملف.

من صوان إلى البيطار

في 2021/02/18، أصدرت محكمة التمييز الجزائية، برئاسة القاضي جمال الحجار، قراراً قضى بقبول الدعوى شكلاً كما طلب نقلها من يد القاضي صوان وإحالتها إلى قاضٍ آخر يُعيَّن وفقاً لنص المادة 360 من أصول المحاكمات الجزائية. وبالفعل، وافق مجلس القضاء الأعلى في لبنان على تعيين القاضي طارق البيطار محقّقاً عدلياً خلَفاً للقاضي صوان.

أعاد القاضي البيطار استجواب جميع الموقوفين. وفي 2021/04/15، أخلى سبيل بعضهم – من بينهم الرائد جوزيف النداف والرائد شربل فواز. فيما عاد وادّعى على الرئيس دياب والوزراء خليل وزعيتر وفنيانوس ووزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، وضبّاط أمنيين، بينهم المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، والمدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صليبا.

وكان القاضي البيطار قد سطّر استنابة قضائية إلى دول تملك أقماراً اصطناعية ناشطة فوق لبنان، طالباً تزويده بما تملك من صُوَر لموقع المرفأ. فخلص التقرير الفرنسي ذات الصلة إلى اعتبار أن فرضية كون الحادث قضاءً وقدراً منطقية، وأن أعمال التلحيم كانت بمثابة الشرارة أو أنها أدّت إلى احتكاك كهربائي تسبّب باندلاع دخان في المكان واشتعال محتويات العنبر.

البيطار يُهاجَم… فيَهجُم

منذ بدء التحقيق، وضع المحقّق العدلي أمامه مجموعة فرضيات، من بينها فرضية الاستهداف الجوي التي أسقطها تقرير المحقّقين الفرنسيين.

وبقيت فرضيتان: الأولى، حصول خطأ أثناء عملية تلحيم باب العنبر الرقم 12 أدّى إلى اندلاع الحريق، ثم الانفجار؛ والثانية، وقوع عمل أمني أو إرهابي متعمَّد داخل المرفأ تسبّب بالكارثة.

 

في أيلول/سبتمبر 2021، طلبت محكمة الاستئناف من القاضي البيطار التوقف عن متابعة تحقيقاته مؤقتاً، وذلك بعد أن تقدّم المشنوق وفنيانوس بدعوى ضدّه لكف يده عن القضية ونقلها إلى قاضٍ آخر (بسبب ما وُصف بـ”الارتياب المشروع” في أدائه).

ورغم العقبات والتهديدات المتتالية التي تعرّض لها، وبعد تجميد دام لأكثر من عام، أعلن البيطار استئناف عمله في كانون الثاني/يناير 2023. فادّعى على النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، ومسؤولين أمنيين وعسكريين، منهم المدير العام للأمن العام، اللواء ابراهيم، المدير العام لأمن الدولة، اللواء صليبا، وقائد الجيش السابق، العماد جان قهوجي.

 

https://hura7.com/?p=17772

الأكثر قراءة