الإثنين, سبتمبر 16, 2024
17.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

علي أبو الريش ـ عام يمضي وآخر يطل

الاتحاد ـ عام يمضي، وآخر يطل، وها نحن بين النون والقلم،  نزرع حلماً،  ونبري قلماً،  ونشحذ الكلمات، بحيث تنبت عشباً في منازل حياتنا،  كي لا تنطفئ المصابيح، ولا تخبو أضواء النجوم في السماء.

عام يمضي مجلل بصور مرت من هنا،  من طرف القلب،  وأخرى توارت منذ اللحظة الأولى التي فيها بزغت النظرة الأولى،  وبعضها طاف حول الرموش،  وكأنه طائرة مسيرة ضلت الطريق.

بعضها لم يزل يلبد تحت الجفون،  ولا يفارق المقلة، ومهما بدا في الزمان من تغير وتلون،  وتشكل،  هذه الصور هي الأبجدية الأولى لمشاعر توهجت في سنوات الأظافر الطرية، كانت في المعنى زهرات فاحت شذاً، كما منحت الحياة رونقاً، واليوم عندما تقرأ دفتر الأيام تشعر بأن الحياة حبل مشدود بين ورقتين، إحداهما للميلاد، وأخرى للوفاة،  وما بينهما يكمن سؤال الوجود: «من أنا؟».

الأعوام أرقام تتوالى خلف العمر،  وتتوارى تضيء لفترة، ثم تنطفئ،  ولا يبقى إلا ذلك الفكر المسنون كالسيف،  يخرج من غمده،  فيسلط أحياناً،  ويرخي حده في أحيان أخرى،  وهكذا نبقى نحن الأبرياء  أو الأشقياء،  نتحرك في الدائرة المغلقة، وكأننا حشرات تائهة،  كأننا وريقات منتوفة من أغصانها، كأننا أجنحة مبتورة من جسد طيور خضها تغير الأشياء من حولها، دون وازع، ولا رادع،  والدافع هو أن تظل الحياة في دوامة استبدال جلود الأفاعي،  من دون وعي الأفاعي، بل ما يحدث قد يكون لمجرد المصادفة، ولكن حتى المصادفة هي نتيجة لالتقاء سلسلتين من الحتمية.

عام يمضي، ومعه تترجل ذاكرة ربما تكون حية نابضة،  ولكن ليس كل الأحياء أحياء،  فهناك أحياء، كالأموات،  ولكن تأخر دفنهم هناك أحياء مشاعرهم كنشارة الخشب،  ولكن يبقى في مضمون الحياة، أننا نحتاج إلى الذاكرة كونها الغذاء الروحي لهذا العقل،  والذي طالما جرد السيف،  وتخبط في دياجير العمر، يبحث عن ضالة،  يسأل عن «أنا» ربما تاهت الطريق إلى الوعي،  وضلت بوصلتها،  ونتساءل دوماً لماذا نحن في الحياة نعيش الحالة الماضية، وكأنها الخميرة في العجين؟ ولا نعلم أننا من دون الماضي، نظل في الخواء كأننا طبول جوفاء، فالماضي كتاب، والكتاب صديق لا يخون، ولا يزل.

ربما أحسب على الماضويين، ولكن لا ضير، طالما أجد في الماضي غرفتي التي أسكن فيها بعيداً عن رعونة النفس الخاوية،  وجفاف القلب، وتيبس عروق العقل، عند مرحلة ما بعد الفراغ.

عام يمضي وآخر يقبل،  يمشي الهوينا، وها نحن في استقباله،  وكأننا في طوابير الاستقبال لضيف مهم يلتصق بالروح كأنه رائحة الأحبة،  ولم لا، فالماضي شيء من الزمن، والزمن هو الذي نقل إلينا فكرة،  بأن للأحبة عطراً مميزاً  وهالة متفردة  وعيوناً تشبه عيون المها  وخصراً كالخيزران ووجنة كالشمعة تذوب مع حرارة الأشواق،  وشفة معسولة  لها مذاق طعم الهيل والزعفران، وأنه يعزل الظل،  ورشاقة كحلم الطفولة

الأكثر قراءة