للمكان رائحة الجسد وحبل ممدد بين ضلعي خيمة وأنفاس بشر.

الاتحاد – هنا في القلب تسكن ثمرة ويسكن عطر ويسكن وجه مخلد هنا في الروح تطير أجنحة ونوايا بحر سادت موجته وأسرت بوحاً للعاشقين، وهنا أنا ألمس جذر العلاقة بين ساحل مائج وقلب مضطرب وتفاصيل خيبات وانعتاق شبه اعتناق الموجة عشق البياض.

عندما تتأمل دفتر الحياة، وتفتح على صفحة قد تكون نسيتها أو تناسيت تشعر بالرجفة، تحيط بك وتنتابك فكرة غاشمة، تملأك كآبة لا تدري كيف اقتحمت هذه الفكرة جدرانك، كيف تسلقت شجرة وعيك وأمسكت بأول غصن غض، ثم جثمت كأنها الوعد السماوي المقرر منذ ولادة أول كلمة على لسانك.

اليوم وأنا أطوف المكان القديم أرى بين الضلوع نبتة خضراء تلمع كأنها البلورة في كأس ماء، فأتساءل لماذا نحن نجعل من الماضي معبداً؟ ولماذا هذا المعبد لا يخفي جزالته في بث اللواعج كأنها السيل العرم ونحن في المشهد أدوات من زمن الأزقة الضيقة والأبواب الخشبية المشرعة والقلوب الأشبه بشوارع مفتوحة لا تعرقلها كبوات ولا تعيقها خطوات فكل الأشياء تمضي كل الأشياء مثل سلسال الذهب على نحر مرصع بمخمل الجسد.

فكرت ملياً ومحصت وتفحصت وتأملت فوجدت أن المعضلة لا تكمن في حبنا للماضي بقدر ما هو حب للطفولة، ففي الطفولة تكمن رائحة الجسد وعبق المكان ورونق الحياة، كما هي دون خربشة، ولا تشويش، ولا خدوش، هي الحياة التي اهتدينا إليها بدافع الفطرة المجللة بسخاء العفوية..

عندما تتحدث عن قريتك عندما تصفها بأنها الأيقونة التاريخية يقال لك إنك تبالغ، فالأمر لا يستحق كل هذا العشق. لماذا؟ لأن الناس مغرمون بدهشة اللحظة، سادرون في لمعة الحاضر، وليس من العيب أن نلتصق بالحاضر ونحبه حباً جماً، وإنما المشكلة تكمن عندما ننسلخ من الماضي، عندما نعتقد أن الماضي خرقة بالية ويجب التخلص منها، هنا المأزق التاريخي الذي يعيشه جيل كامل برمته، هنا تدور محنة العقل عندما لا يعرف كيف يدير بوصلة الحياة، بل يقفز على الحبال ويحرق المراحل، فيذوب جبل الجليد ويغرق النفوس بسيول تجرف الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر.

إنني ابن اللحظة وأحب الحاضر وأعشق تفاصيله المبهرة، ولكني أيضاً متعلق بثوب الماضي متشبث به ممسك بتلابيبه لأنه يخبئ في جيب معطفه صورة ما أحببتها لأنه يخفي رائحة ما تعلقت بها لأنه محفظة تاريخي لأنه حقيبة مدرسة الحياة التي وهبتني ملكة الحب وهي أغلى موهبة وأجمل وردة وأبهى قمر يضيء حياتي، ويملأ فناء القلب بأشعة ضوئية تدلني على بيت الحبيبة.

https://hura7.com/?p=15876