الإثنين, سبتمبر 16, 2024
17.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور – ازدياد حالات التحرّش والاغتصاب: “الوحشيّة البشريّة”…

تشهد أعداد ضحايا التحرّش والاغتصاب ارتفاعاً ملحوظاً في لبنان. فباتت هذه الجريمة، بلا مبالغة، من الأكثر تهديداً لاستقرار المجتمع بكافة فئاته. من كوكب الأحمد وميريم الأشقر إلى ريا الشدياق وريبيكا دايكس. ومن زينب الحسيني إلى لين طالب وزينب معتوق. أسماء شقّت طريقها إلى مسامعنا، وأخرى بقيت طيّ الكتمان. لكن ثمة قاسماً مشتركاً هنا: الوقوع فريسة “الوحشية البشرية”. الطفل رجب كانجو، إبن السنة وسبعة أشهر، فارق الحياة الشهر الماضي بعد تعرّضه لعمليات اغتصاب متكرّرة. على أمل أن يكون آخر الضحايا.

عشرات حالات التحرّش والاغتصاب تحصل يومياً. في الأماكن العامة والشوارع والمصاعد، كما في سيارات الأجرة وداخل المنازل وأماكن العمل. غير أن التصريح عنها يغيب غالباً في مجتمع يتسيّد أولوّياته “طمس” كل حقيقة تمسّ “الشرف” – وفق تعريفه له – إلّا في حالات تغوُّل المأساة وموت الضحية.

في السنوات الأربع الماضية، سُجّل في لبنان متوسط سنوي بمعدّل 3 إلى 4 حالات اغتصاب وقتل. بيد أن الرقم، طبعاً، لا يعكس الواقع في ظلّ عدم مواكبة الإحصاءات الرسمية له لعدم فضْح الضحايا لـ”جلّاديهم”.

وفي نظرة على إحصاءات منظمة الصحة العالمية لسنة 2002، يتبيّن أن 150 مليون فتاة و73 مليون فتى دون سن الـ18 عاماً تعرّضوا لحالات اغتصاب أو أشكال أخرى من العنف الجنسي. كما أن ثلث النساء عالمياً وقعن ضحية للعنف الجنسي في مختلف الدول لكن بدرجات متفاوتة. لا بل أن إحدى الدراسات الأوروبية أشارت في العام 2014 إلى أن ثلث النساء الأوروبيات يتعرّضن لانتهاكات جنسية.

وللسائل أن يسأل: ألم يحن وقت كسْر حاجز الصمت والتبليغ عن المجرمين ومعاقبتهم إنقاذاً لحياة مشاريع فرائس مستقبلية؟

شخصية مرضية

في حديث لجريدة “الحرّة”، تلفت الاختصاصية اللبنانية في عِلم النفس، الدكتور كارول سعادة، إلى عوامل عدّة قد تحضر في شخصية المغتصِب – والتي تكون في أحيان كثيرة مرضية – ومنها: الغضب، البحث عن السلطة، الرغبة الجنسية الزائدة والمكبوتة، وقلّة الوعي والتثقيف في فترة الطفولة. فغالباً ما يحمل المعتدي شخصية سادية – نرجسية، حيث تسوّل له نفسه استخدام سلطته على الآخر. ولا يُستبعَد أن يكون قد تعرّض هو بدوره للاغتصاب قبل أن يصبح مغتصِباً.

وتعتبر سعادة أن غالبية الضحايا هم من الأطفال، كون معظم المعتدين يعانون من اضطراب البيدوفيليا (اضطراب نفسي يدفع بالمعتدي لاستغلال الأطفال جنسياً)، ولأن التحكّم بالطفل أكثر سهولة. ويكون المغتصِب، بشكل عام، من المقرّبين إلى عائلة الضحية حيث تتوافر له ظروف الاختلاء بها تكراراً ومطوّلاً. علماً بأن التقارب يغذّي ثقة الطفل بالمعتدي.

تداعيات الاغتصاب على الضحية، بحسب سعادة، تكون دوماً سلبية وتختلف بحسب الحالة: من اضطراب ما بعد الصدمة، حيث تشعر الضحية بعجزها عن مقاومة الخطر؛ إلى متلازمة ما بعد الاغتصاب التي يمكن أن تؤدّي إلى الاكتئاب. لذا، هناك ضرورة لمتابعة علاجات نفسية متخصّصة ومرافقة العائلة باستمرار كي تتخطى الضحية وقْع الصدمة وتعيد ترميم صورتين: الذات والجسد.

انتباه!

يشهد لبنان، كما معظم دول العالم، ارتفاعاً غير مسبوق في نسب جرائم الاغتصاب. وتعزو سعادة السبب إلى تفشّي وسائل التواصل الاجتماعي والزيادة الملحوظة في الاضطرابات النفسية والعقلية والاكتئاب والقلق والضغط النفسي لدى الفرد. “كلّما زادت حدّة هذه العوامل، علت نسبة الشذوذ المكبوت لدى المعتدي وظهرت الاضطرابات النفسية المخفية لديه. ولا يمكن التقليل من آثار تناوُل الكحول وتعاطي المخدرات في هذا الصدد أيضاً”.

وتضيف أن على الأهل الانتباه لتصرفات الأبناء، إذ هناك إشارات قد تدلّ، إن التُقطت، على تعرّضهم لعملية تحرّش أو اغتصاب. وهنا نتكلم عن اضطرابات النوم والقلق والخوف المتواصلين، كما رؤية الكوابيس ليلاً والتبوّل اللاإرادي، والتوتر والحركة الزائدة وقلّة التركيز. “تختلف الاضطرابات بحسب عمر الطفل وحالته وقدرته على فهم وتحليل ما حصل معه. يجب متابعته نفسياً وبطريقة جدّية كي لا تُبنى شخصيته على القلق والخوف ويتحوّل بدوره إلى فرد عنيف… وربما إلى مغتصِب”.

نصائح أخيرة من سعادة إلى الأهل: التنبّه للأشخاص الذين يقضي الطفل وقتاً معهم على انفراد، كما إلى الفترة الزمنية؛ توطيد علاقة مبنية على الثقة بين الطرفين تخوّل الطفل مصارحة أهله بما يحدث معه؛ والحرص على رصْد أي تغيير في سلوك الطفل أو تصرفاته أو طريقة نومه.

لِعقوبات أقسى

من جهتها، تقول المحامية العراقية، منال داود العكيدي، إن لا علاقة لجريمة الاغتصاب  بالمحيط البيئي لمرتكبها، بل إن دوافعها داخلية كامنة في نفس المجرم لرغبة منه في إثبات قوته وسيطرته وإذلاله للنساء (وللضحية عامة). فالمرتكبون لا يرمون عادة إلى تحقيق متعة جسدية بل إلى إشباع عدائيتهم وساديتهم.

ممّا ساهم في خروج جرائم الاغتصاب عن السيطرة هو هزالة القوانين ذات الصلة، غالباً، وعدم ملاءمتها للآثار الخطيرة التي تترتب على الضحية وذويها ومجتمعها. أضف إلى ذلك ضعف الدور الرقابي للمؤسسات التربوية والحروب والتهجير والأزمات الاقتصادية والبطالة .

“علينا أن نعيد النظر بالتشريعات الجنائية التي تعاقب على هذه الجريمة وبمدى جدواها في الحدّ منها ومكافحتها، حيث أن القوانين في بعض المجتمعات العربية تفسح للمجرم مجال الإفلات من العقاب إذا ما أقدم على الزواج من ضحيته، وكأنه بذلك يكافأ على جريمته الشنعاء. وفي بلدان أخرى، تكون الضحية مذنبة لتواجدها بمفردها في المكان الخطأ أو لخروجها في وقت غير مناسب، على سبيل المثال”، على حدّ قول العكيدي.

القانون الدولي كان حازماً في اعتبار جرائم الاغتصاب من أبشع الجرائم التي تُرتكب بحقّ البشر. وقد أُقرّت قوانين تجيز إنزال عقوبة الإعدام بالجاني، إلّا أن العكيدي ترى أن “إنهاء حياة المرتكب لا تعيد للضحية ثقتها المعدومة بنفسها وبالمجتمع وبقدرتها على تقبُّل الآخرين. على العكس، فشبح الجريمة والمعتدي سيبقى يطاردها طوال حياتها. نحتاج لتطبيق عقوبة تُشعر الجاني بمعاناة الضحية وتذيقه مدى الحياة معنى الإذلال على ما ارتكبه بحقّها”.

 

الأكثر قراءة