الإثنين, سبتمبر 16, 2024
17.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور – الكلاب الشاردة في البترون: القتل حرقاً ليس الحلّ!

قضيّة مكبّ وادي إدّه في قضاء البترون، شمالي لبنان، التي أثرناها قبل أيام لا تتوقّف على النفايات. فقتل الكلاب الشاردة ورميها لتُحرق هناك جريمة شائنة موازية. الارتكاب يجري على مرأى من البلدية، لا بل بغطاء منها وبأيادي بعض التابعين لها، كما يؤكّد المتابعون. صحيح أن الظاهرة ليست بجديدة، لكنها تتفاقم في ظلّ غياب المعالجة والعقاب. وكأن رمي الحيوانات بالرصاص والتفنّن في تعذيبها باتا هواية مسلّية البعض.

في تسريبات صوتية حصلنا عليها، ثمة ما يؤكّد ما يحاول البعض نفيه. ذاك خصوصاً وأن المعلومات تتحدّث عن قيام البلدية بتزويد عدد من الشبان بأسلحة استُخدمت كأدوات لتصفية 34 كلباً شارداً. والمحادثات الصوتية كانت على شاكلة: “عالجوا الوضع ليلاً دون أي تقصير… وليتوجّه شابان بسلاحهما دون تردّد”؛ “قتلنا الكلبين الأسود والأبيض وانتهينا منهما”؛ “على الأهالي أن يشكرونا لأننا قمنا بتصفية الكلاب بدلاً من معاتبتنا”؛ “لا نريد دروساً من أحد تشعرنا وكأن الكلاب أهم من الإنسان، وإلّا سنقوم برميها جميعاً بالرصاص وبالسرّ”. إنه تبرير القتل، لا بل التباهي به، بدلاً من اللجوء لحلول أكثر نجاعة وأقّل سادية.

من الشارع إلى المكبّ

يقول المسؤول عن ملف الكلاب الشاردة في المنطقة، مايكل شاهين، لجريدة “الحرّة” إن ما يحصل هو عدم تقبّل البعض لوجود تلك الكلاب في الشوارع، لا سيّما كبار السنّ، ما يعرّض الحيوانات لخطر التسميم بمادّة “اللانيت” أو الرمي بالرصاص.

شاهين سبق وكُلّف سنة 2018 من قِبَل البلدية بمتابعة الموضوع. “لكي أحمي الكلاب، أقوم بإبعادها عن الشارع ووضعها في مكبّ النفايات. أين أذهب بها والجمعيات لا تأويها كما لا قدرة لي على تأمين الطعام لها؟ نعم، هناك الكثير من الكلاب في المكبّ وهي تأكل من بقايا مزارع الدجاج والمسالخ المرمية هناك. الطعام الذي تقتات عليه يضرّ بها، لكنه يبقى أفضل من أن تموت جوعاً أو قتلاً”.

وفي حين أكّد شاهين أن لا معلومات لديه عن قيام البعض بقتل الكلاب ورميها لتُحرق في المكبّ مع النفايات، لفت إلى أن الحلّ هو بِيد رئيس البلدية. “أنا أتحرّك بمبادرة شخصية لأنني أحب الكلاب، ولا إفادة مادية لي من ذلك بعكس ما يعتقد البعض، لذا أنقلها إلى مدخل المكبّ وأرحل. الكلاب بصحة جيدة ومن يدّعي حرصه عليها أكثر فليأوِها وليعتنِ بها وبتربيتها”.

الوزارة تساعد والبلدية تحارب

بدورها، شرحت الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، سيدة نوّار، في اتصال مع جريدة “الحرّة” أن “المشكلة الأساس تكمن في تخلّف المجتمع في التعاطي مع البيئة والحيوان. كما أن هناك تقاعس البلديات التي ألزمها قانون الرفق بالحيوان، وتحديداً المادة 12 منه، بالاهتمام بالحيوانات الشاردة ووضع خطة للتعامل معها بناء على توجيهات وزارة الزراعة، بدلاً من تحميل مسؤولية إيوائها للجمعيات والناشطين، بحسب ما يعتقد البعض”.

وأكّدت الناشطة أن الكلاب تلك تتكاثر باستمرار بغياب التعقيم والخصي، وأن الحلّ ليس بتسميمها أو إطلاق النار عليها. “الحلّ يتمثّل بتطبيق طريقة TNR / Trap – Neuter – Release)) والتي ترتكز على إحصاء أعدادها تبعاً للمناطق وتعقيمها أو خصيها وتلقيحها، ووضع إشارة في آذانها للدلالة على ذلك وعلى كونها مراقبة من وزارة الزراعة”.

بالعودة إلى ما يجري في البترون، فقد وصفته نوّار بفضيحة كبرى. فالجميع يعلم أن البلدية وكّلت أحد الأشخاص بنقل الكلاب الشاردة إلى المكبّ، بدلاً من اهتمامها بالبيئة والسهر على تطبيق القانون. “سمعت من عدّة مصادر عن قيام البعض بفعل القتل والرمي والحرق، لكن لا إثبات لديّ حتى الساعة. ما يمكن جزمه هو اختفاء الكلاب التي نتبلّغ عنها ولا يكون لدينا قدرة كناشطين على إنقاذها، ما يعزّز فرضية القتل أو النقل إلى المكبّ حيث تتكاثر بوتيرة عالية وتصاب بالأمراض”.

وذكرت نوّار أنها قامت بتأليف مجموعة من الناشطين لوضع خطة حلّ جذري لهذه المعضلة. غير أن البلدية رفضت تنفيذها باعتبارها “منّا قاعدة على بنك”. أما الخطة، فتقتصر على توحيد الجهود بين وزارة الزراعة (تأمين اللقاحات)، والأطباء البيطريين (خصي الكلاب)، والناشطين (المساعدة الميدانية). “المسؤولون والبلديات لا يريدون الكلاب لا في الشوارع ولا في المآوي. وحيث يجب على البلدية أن تدعمنا، إلّا أنها تحاربنا موجّهة إلينا اتهامات شخصية مغرضة. والدليل على ذلك هو سعيها لإغلاق مأوى للكلاب تملكه إحدى الناشطات رغم أنه مرخّص من وزارة الزراعة ومطابق للمواصفات”.

لا حلول جذرية

محطتنا الأخيرة مع مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، الدكتور الياس ابراهيم. فقد أعرب لجريدة “الحرّة” عن أن ما يحصل في البترون ليس جديداً، إذ اعتاد الأهالي على رمي الكلاب الشاردة في المكبّ. وشدّد على أن القضيّة لن تُحسَم إلّا من خلال حلّ جذري. “لقد سمعنا عن كلاب تُقتل وتُرمى وتُحرق هناك، لكن دور الوزارة إرشادي وتوجيهي بحت. نحن أعددنا استراتيجية ممتازة مع كافة الجهات المعنية لمكافحة ظاهرة الكلاب الشاردة، وتبقى البلديات الحجر الأساس لتطبيقها. كما أرسلنا مراراً إلى وزير الداخلية نطلب منه الدفع بالتطبيق قُدماً، غير أننا لم نلقَ تجاوباً”.

في ظلّ عدم توافر الإمكانيات المالية لدى الأطراف المعنية بالتطبيق، رأى ابراهيم أن الحلّ الأنسب هو دعم البلديات لنشاط الجمعيات وتأمين المساعدة المطلوبة لها، لا محاربتها. “صحيح أن دورنا يقتصر على الإشراف، لكننا نحاول مساعدة من يدقّ بابنا قدر المستطاع. فإذا تقدّمت أي بلدية بمشروع ما، نحاول دراسته وتأمين اللقاحات المطلوبة مجاناً أو بأسعار رمزية بواسطة الشركات المورّدة للّقاحات. كما عمّمنا على نقابة الأطباء البيطريين القيام بعمليات الخصي بأسعار رمزية. نحن منفتحون على الحلول لكن الشعارات وحدها لا تفيد. نحتاج إلى خطوات جدية وتضافُر الجهود بين القطاعين الخاص والعام كما النقابات المعنية والجمعيات. فالوزير لا يفوّت فرصة لتأمين التمويل من المنظمات العالمية”.

صرخة

أن نرمي كلباً شارداً في مكبّ للنفايات لنحميه من القتل، هو أن نهرب من السيء إلى الأسوأ. فلبنان، الذي كان من أوائل البلدان التي تغنّت بإقرار قانون الرفق في الحيوان، هو أيضاً من بين أكثرها تسجيلاً للمخالفات المتّصلة به.

وزارة الزراعة أبدت، عبر جريدة “الحرّة”، عن استعدادها لتقديم أي مساعدة معنوية، إرشادية أو تقنية لازمة. كما تعهّدت بتأمين اللقاحات في حال تقدّمت البلدية بطلبها. وحيث باتت الكرة الآن في ملعب رئيس بلدية البترون، نضع هذا التقرير بين يديه بمثابة صرخة جماعية. حرصاً على وجه المدينة الجميل والحضاري؛ ورأفة بحقوق حيوانات بريئة يغفل قتلتها عن كون فعلتهم جريمة يحاسب عليها القانون… الغائب حيناً والمغيّب أحياناً.

 

https://hura7.com/?p=32162

الأكثر قراءة