الإثنين, سبتمبر 16, 2024
17.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور _ “جريمة” بيئية على مجرى نهر الدامور، الشوف اللبناني

في بلدة كفرفاقود، إحدى قرى قضاء الشوف اللبناني، مخالفة بيئية تُبدّل واقع المجرى الشتوي لنهر الدامور وسريان مياهه شتاءً. “جريمة” أدّت إلى تغيير مستويات الأرض من خلال وضع إنشاءات من الباطون المسلّح وإزالة حجارة نهرية وتعرية جذوع بعض الأشجار على مجرى النهر الصيفي، ما تسبّب بتغيير جزء من مستواه. ذلك رغم اعتراض شديد من أبناء ومخاتير البلدة وبغياب أي موافقة رسمية أو سند قانوني يخوّل مالك العقار رقم 1018 الإمعان في واحدة من الارتكابات بحقّ ما تبقّى من معالم لبنان الطبيعية.

تواصلت جريدة “الحرّة” مع عدد من أهالي البلدة. هؤلاء يخبرون أن إحدى العائلات الإقطاعية تمكّنت منذ زمن من الحصول على عِلم وخبر من أحد المخاتير تملّكت بموجبه الأراضي المحيطة بمجرى النهر. بعدها، تمّ بيع هذه الأراضي إلى عائلة “القادر” الذين باعوها بدورهم إلى مالكها الحالي، السيّد أمير ضوّ. “لم نكن نعلم أن الأرض تحوّلت إلى ملكية خاصة. لكن، بعد أن بدأ ضوّ (وهو مالك العقارات 1018، 1019 و724) بتغيير معالمها كما مجرى النهر، وبعد اعتراضنا على ما يحصل واطّلاعنا على المستندات، أدركنا أن هذه الملكية العامة تحوّلت إلى خاصة بموجب العلم والخبر الصادر عن مختار البلدة”.

المجرى في مهبّ التعديات

في العام 2010، توجّهت دائرة المساحة لإجراء مسح وتحديد للمنطقة، حيث ارتكز المسّاح على المستند الصادر عن المختار مؤكداً على أن الملكية خاصة، رغم أن العقارات محازية للنهر ما كان يستوجب إعادة النظر بصحة المستند قبل تسجيله في الدوائر الرسمية. وبالتالي، بات ضوّ يملك ثلاثة عقارات، بمساحة 20 ألف متر مربّع تقريباً، من بينها العقار 1018 الواقع على مجرى نهر الدامور الشتوي بمساحة 2500 متر مربّع.

ويتابع أحد الأهالي: “مرّت الأيام ونحن نطالب باسترداد هذه الملكية إلى الأملاك العامة، خصوصاً بعد أن قام صاحبها بتغيير معالم النهر وطبيعة المجرى الشتوي النهري حيث حلّ الردم مكان المياه. فلِنهر الدامور الذي ينبع من نبعَي الصفا والباروك أهمية بيئية كبرى يجب الحفاظ عليها”.

المحاولات جميعها باءت بالفشل. فالعام الماضي، قرّر صاحب الأرض التأسيس لمشروع زراعي كبير متقدّماً إلى وزارة الطاقة والمياه بطلب الحصول على رخصة لإنشاء سدّ وحائط بطول 120 متر على مجرى النهر. وقبل الاستحصال على أي موافقة أو رخصة، باشر بتشييد تصوينة من أحجار الخفان وعرقة وأعمدة إسمنتية، ما دفع الأهالي للتحرّك لإيقافه عن العمل.

في آب/أغسطس 2023، وقّع عدد من أبناء ومخاتير البلدة على عريضة لاسترداد العقار 1018 وضمّه إلى الأملاك العامة وإيقاف المخالفات الحاصلة، ولمناشدة وزارة الطاقة والمياه عدم منح المالك الرخصة المطلوبة. وفي الشهر نفسه، توجّه وزير البيئة، ناصر ياسين، بكتاب إلى محافظ جبل لبنان يطلب فيه الإيعاز إلى أقرب مخفر في إبلاغ المتسبّب بالضرر “التوقف الفوري عن الأعمال غير القانونية والتقيّد بشروط التراخيص الممنوحة لأية إنشاءات أو مشاريع في الموقع المذكور، ضمن إطار تدابير الحماية التي تراها الوزارة ضرورية”. فعلّق المالك العمل غير أن التصوينة والأعمدة لم تُزَل حتى الساعة.

من ناحيتها، أرسلت وزارة الأشغال العامة والنقل، في نيسان/أبريل 2024، وثيقة إحالة لإعلام صاحب العقار بعدم إمكانية القيام بأي عمل إلّا بعد الاستحصال على موافقة وزارة البيئة، لئلّا يصار إلى وضع إشارة بناء مخالف على العقار. كما طُلب منه إفادة وزارة الأشغال خلال 45 يوماً من تاريخ تبلّغه بنتيجة تواصله مع وزارة البيئة.

وزارة البيئة تنتظر

ناشطون بيئيون في المنطقة أشاروا لجريدة “الحرّة” إلى أنهم عادوا وتقدّموا بشكوى إلى وزارة البيئة، بتاريخ 09/07/2024، معترضين على تشييد تصوينة من أحجار الخفان وعرقة وأعمدة إسمنتية في منطقة محمية بيئياً، دون ترخيص أو دراسة أثر بيئي، ومطالبين بإزالتها.

في هذا السياق، لفت ياسين، في اتصال معه، إلى أن وزارة البيئة طلبت من صاحب العقار (بعد مراجعة دقيقة للملف وإيقاف الأعمال) التقدّم بدراسة تقييم أثر بيئي للاطلاع عليها وأخذ القرار المناسب، لكن دون جدوى. وعن سؤال حول الأسباب التي تحول دون إزالة المخالفات الحاصلة، أجاب ياسين بأن التنفيذ هو من صلاحية البلدية وأجهزة وزارة الداخلية.

… و”الطاقة” بلا صلاحية

بحسب الناشطين البيئيين، قامت وزارة الطاقة والمياه (بعد مراجعتهم لها) بإرسال أحد المهندسين للكشف على الموقع، حيث أكّد أن تملّك العقار مخالف للقانون ودعا الأهالي إلى تقديم شكوى أمام القاضي العقاري لإبطال عملية تسجيله وإعادته إلى الأملاك العامة. وأعربوا عن تخوّفهم من أن تقوم الوزارة بمنح المالك رخصة إنشاء الحائط رغم العريضة الموقّعة من أبناء ومخاتير البلدة، وقرار وزارة البيئة إيقاف الأعمال إلى حين تقديم دراسة أثر بيئي.

عن ذلك، أوضحت مصادر وزارة الطاقة والمياه لجريدة “الحرّة” أن صاحب العقار قام بمسح اختياري لعقاراته حيث تسبّب بتضييق مجرى النهر بشكل ملحوظ. “تقع المسؤولية الكبرى على دائرة المساحة أو على القاضي العقاري، إذ كان يُفترض الحصول على موافقة المحيطين بالعقار، كما وزارة الطاقة والمياه لوجود مجرى نهري هناك. لكن ذلك لم يحصل بدليل غياب توقيع مندوب الوزارة على المحضر، وبالتالي فالمسح غير صحيح. لكن للأسف، لم يعد بوسعنا اتخاذ أي قرار إلّا بموجب دعوى قضائية تتقدّم بها الوزارة كما المتضررين، كون صاحب العقار يعتبر نفسه حالياً وكأنه يتصرّف بملكه. فلا بدّ من تقديم طعن لاسترداد العقار إلى الأملاك العامة”.

عن احتمال قيام الوزارة بمنح المالك رخصة إنشاء حائط لتدعيم مشروعه الزراعي المنوي إقامته، شدّدت المصادر نفسها على أن صلاحية منح الرخص تعود للبلدية، وليس للوزارة. “نحن نقوم عادة بمنح موافقة فنية، لكنها لن تُمنح هذه المرّة بموجب قرار إداري صادر عن الوزارة بانتظار تقديم دعوى قضائية. وعلى أي حال، أطلق صاحب العقار الأعمال قبل الحصول على أي موافقة”.

مخالفات ومحسوبيات

المخالفات الحاصلة فوق العقار 1018 قد تكون كافية لتوصيف ما يحصل بـ”الفلتان” البيئي. وهذه عيّنة عن المواد المخالَفة: المادة الثامنة من قانون المياه المعدّل رقم 192/2020 التي نصّت على أن المياه مُلك عام وغير قابلة للاستحواذ أو التملّك أو التصرف بها؛ والمادة 83 من القانون نفسه التي نصّت على ضرورة تأمين مالك العقار المجاور لضفة النهر حسن الاعتناء بالضفاف والحفاظ على الحياة النباتية والحيوانية وتوازن النظم البيئية المائية؛ والمادة الأولى من القرار 144/س التي نصّت على أن الأملاك العمومية لا تباع ولا تُكتسب ملكيتها مع مرور الزمن.

أضف إلى ذلك مخالفة الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من قانون حماية البيئة رقم 444 التي نصّت على مبدأ تفادي النشاطات التي تتسبّب بأضرار غير قابلة للتصحيح للموارد الطبيعية؛ ومخالفة المادتين الثانية والرابعة من قرار وزير البيئة رقم 129/1 القاضي بتصنيف مجرى نهر الدامور موقعاً طبيعياً؛ وأخيراً مخالفة مرسوم تقييم الأثر البيئي رقم 8633/2012 لجهة ضرورة إجراء هذا التقييم في المناطق التي تُعتبر حساسة بيئياً.

المعلومات تشير إلى علاقة مميّزة تربط مهندس المشروع بشخصيات سياسية ووزارية بارزة. فهل تنتصر البيئة، ولو لمرّة، على المحسوبيات؟ سؤال برسم المعنيّين.

 

https://hura7.com/?p=32932

الأكثر قراءة