الإثنين, سبتمبر 16, 2024
17.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور _ حربا 2006 و2023: تبدُّل ظروف الأمس يعمّق تداعيات اليوم

بين تموز 2006 وتشرين الأول 2023، اختلف المشهد اللبناني كليّاً في ظروفه وعوامله وأرقامه. اختلافات بين حربين تبدأ بالمنحى الاقتصادي والمالي، ولا تنتهي بالوقائع السياسية الداخلية والإقليمية. أما أزمات النزوح داخل الحدود وعبرها، فتُنذر بمزيد من الأعباء. وللناظر خلف عواصف الغبار المنبعثة من غير اتّجاه، تلوح مجموعة أسئلة مشروعة: من سيُساهم في إعادة إعمار بلد منكوب أصلاً اقتصادياً ومصرفياً، وقد وضع نفسه في عزلة – استحالت عداوات أحياناً – مع دول عربية عدّة، على رأسها دول الخليج؟ ومن سيُعيد أفواج النازحين إلى ديارهم (وبعضها انقلبت أراضٍ “محروقة”) قبل أن تتحوّل معضلة النزوح همّاً ديمغرافياً جديداً، وبالتالي ورقة ضغط تشهرها جهات مستفيدة ربطاً بحلول سياسية تبدو بعيدة المنال؟

الأرقام تتكلّم

في مقارنة مع حرب تموز 2006، بضحاياها الـ1149 وجرحاها الـ3600، قارب عدد ضحايا الحرب الحالية الدائرة جنوباً الـ600 وإصاباتها الـ2200. وبحسب الإحصاءات الرسمية، فقد دمّرت حرب 2006 ما مجموعه 17353 وحدة سكنية وهجّرت أكثر من مليون مواطن من 345 قرية مختلفة، في حين قُدّرت الخسائر الاقتصادية بمليار و600 مليون دولار أميركي.

بالمقابل، ورغم أن الأرقام المتداوَلة راهناً تبقى تقديرية كون الأعمال الحربية متواصلة، إلّا أن  عدد الوحدات السكنية المتضرّرة يتراوح بين 7 و10 آلاف وحدة، إضافة إلى 220 مؤسسة تجارية وصناعية دُمّرت بشكل كامل، وفق أرقام نشرتها “الدولية للمعلومات” في 12/08/2024. أما عدد النازحين من البلدات الحدودية إلى الداخل، فقد تخطى الـ110 آلاف نازح.

وبحسب التقديرات أيضاً، هناك عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية التي تضرّرت نتيجة القصف بالقنابل الفوسفورية، وتشمل بساتين الزيتون والحمضيات والمناطق الحرجية، ما سيتطلّب سنوات طوال لمعالجة تربتها وإعادة استصلاحها زراعياً. كما منعت الحرب القائمة سكان الجنوب من زراعة 17 مليون متر مربّع من الأراضي. علماً بأن عجلة الموسم السياحي تراجعت بنسبة 80% مقارنة بالعام الماضي. هذا وبلغت الخسائر المباشرة حوالى 4 مليارات دولار، في حين تخطّت الخسائر غير المباشرة، والمتمثلة بتراجع وتيرة السياحة والاستثمارات، 6 مليارات دولار، ما يجعل إجمالي الخسائر يطرق عتبة الـ10 مليارات دولار.

تحذيرات رسمية

على هامش المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية، الذي عُقد في أبو ظبي في شباط الماضي، أشار وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، إلى أن قطاع الزراعة تضرّر بشدّة نتيجة حرب غزة، وأن حجم الأضرار تخطى الـ2.5 مليار دولار، وفق مسح أولي. هذا إضافة إلى إتلاف آلاف الأطنان من المنتجات الزراعية وتأثُّر أشجار الزيتون كأحد أهم المنتجات اللبنانية المُصدَّرة للخارج. وأوضح أن الخسائر أنتجت انكماشاً اقتصادياً بعد أن كان يُتوقَّع نموّ الاقتصاد اللبناني بنسبة 2% إلى 3% مع نهاية العام 2023 وبداية العام 2024.

أما وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج حسن، فقد كشف أن القطاع الزراعي تأثّر بما لا يقلّ عن 30% من نسبة الإنتاج المحلي، كون الجنوب يسهم بما بين 25% و30% من حجم الزراعة في لبنان، ما أدّى إلى تراجُع الصادرات. ولفت إلى أنه، نتيجة الاستهدافات اليومية، لم يتمكن المزارعون من ممارسة أعمالهم في سهول مرجعيون والوزاني حتى الناقورة بالكامل، وذلك على امتداد 210 كلم، ما رفع حجم الأضرار إلى ملايين الدولارات.

بدوره، أفاد رئيس الهيئات الاقتصادية، الوزير السابق محمد شقير، بأن الاقتتال جنوباً شكّل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد اللبناني بعد أن وصل إلى مرحلة التعافي في العام 2023، وذلك نتيجة النشاط السياحي الذي شابه تردُّد العديد من السيّاح في القدوم إلى لبنان. وأعرب عن تخوّفه – في حال توسُّع الحرب وإطالة أمدها – من مزيد من الاستنزاف والضرر والركود والتأزّم في وضع بلد غير قادر على مواجهة الانعكاسات ذات الصلة على كافة الأصعدة، ما سيدفع به إلى انهيار كبير غير مسبوق.

تداعيات “اليوم التالي”

لبنان بعد حرب المشاغلة لن يكون كما قبلها. ومَن يراهن على تكرار مرحلة النموّ الاقتصادي الاستثنائية التي شهدها البلد بعد مرور أربع سنوات على حرب 2006، فهو واهم، كما يعتبر المراقبون. فالنموّ السنوي الذي بلغ 9% سنة 2010 جاء نتيجة عوامل توفّرت يومذاك وهي غير متاحة اليوم. إذ يكفي الحديث حينها عن ضخّ حوالى 3 مليارات دولار سنوياً في الاقتصاد اللبناني، من دعم عيني ومالي، طيلة عامين متتاليين. ناهيك بما لا يقلّ عن 60 مليار دولار من الودائع المصرفية التي استعان بها أصحابها في تلك الفترة لتحريك العجلة الاقتصادية. هذا عدا عن الثقة الراسخة يومها بالقطاعين المالي والمصرفي، ما سمح للدولة بالاقتراض من الداخل والخارج بهدف ضخّ السيولة في الاقتصاد، من جهة، وفتح باب التدفّق المالي إلى المصارف اللبنانية إبان أزمة 2008 المالية العالمية، من جهة أخرى.

من جهته، يؤكّد الباحث والكاتب السياسي، الدكتور ميشال شمّاعي، على أن تكلفة الحرب الراهنة تفوق بأضعاف تكلفة حرب 2006، إذ إن أهداف العدوّ الإسرائيلي اليوم تختلف عن السابق.

“في هذه الحرب، يسعى العدوّ إلى تفكيك البنيتين التنظيمية والعسكرية لـ”حزب الله” عبر اغتيال قادته وتدمير ترسانته المسلّحة. فبنك أهداف 2023 يختلف عن ذلك الذي وضعه العدوّ سنة 2006. التركيز اليوم هو على مسألتين أساسيّتين: خلق منطقة عازلة وفقاً لما يُعرف بمنطق العلوم العسكرية بالـ”No Man’s Land”؛ وتفكيك بنية الحزب. ومردّ ذلك لاعتقاده بأنه يؤمّن استقراراً في شمال فلسطين المحتلة لسنين طويلة”.

وأردف شمّاعي أن الخطّة التي يعتمدها العدوّ الإسرائيلي كبّدت اللبنانيين مجتمعين خسائر فادحة، بينما السياسة الخارجية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد انقلاب السابع من أيّار 2008، والمواقف العدائية ضدّ الدول العربية التي دأب أمين عام الحزب على إطلاقها، كلّها مسائل عزلت لبنان الدولة إقليمياً ودولياً. وهكذا، يستحيل طلب المساعدات من الدول العربية في حال بقي “دويتو” المنظومة والمنظّمة متحكّماً بالسلطة، وحاكماً في لبنان.

وأضاف: “الخوف في هذه الحالة يتجلّى بأن يتمّ إقرار سداد فاتورة إعادة الإعمار من جيوب اللبنانيين جميعاً – ومنهم أولئك الذين لم يؤخَذ برأيهم أصلاً عند إعلان الحرب – من خلال فرض ضرائب ورسوم جديدة، ما سيخلق نقمة شعبية على من يمثّل خطّ الممانعة. وهذا سيحتّم عصياناً ضرائبياً وشعبياً من قِبَل الذين لم يؤيّدوا الحرب من الأساس”.

على أي حال، فإن تداعيات ما بعد الحرب، كما شدّد شمّاعي، ستجعل المناطق المتضرّرة غير قابلة للحياة على الأقل لسنوات عشر مقبلة، وقد تطول المدّة نتيجة الوضع السياسي غير المستقرّ. كذلك، إن لم يتوسّع نطاق الضربات، فسيشهد الآمن من المناطق ازدهاراً نوعيّاً. ومن شأن ذلك أن يخلق بدوره انقساماً داخلياً جديداً كان لبنان بغنى عنه.

شهادات نازحين من الجنوب وآثار النزوح كما خيارات التصدّي مالياً لتداعيات الحرب، نتناولها في جزء ثانٍ.

 

https://hura7.com/?p=32736

الأكثر قراءة