السبت, سبتمبر 21, 2024
23.8 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ زيادات عشوائية على أقساط المدارس الخاصة اللبنانية تهدّد العام الدراسي الجديد

عام دراسي جديد يرخي بظلاله على ذوي الطلّاب اللبنانيين من حيث الزيادات العشوائية على أقساط المدارس الخاصة التي تتجاوز الـ100% مقارنة بالعام الماضي. إنه خرق فاضح للقانون رغم التحذيرات والاعتراضات في ظلّ غياب (أو تغييب) المجالس التحكيمية التربوية. فالأقساط التي تخطّت قيمتها الـ12,000 دولار في بعض المدارس تعيد طرْح السؤال الجوهري: هل بات التعليم الطبقي، لبنانياً، واقعاً مفروضاً لا مفرّ منه؟

الفوضى العارمة التي تشهدها الزيادات العشوائية على الأقساط، تزامناً مع غياب أي مرجعية رسمية أو استراتيجية موحّدة، تنذر بانفجار كبير على الصعيدين التربوي والاجتماعي. وهذا التمادي في إقرار زيادات خيالية بالعملة الأجنبية يُعتبر تجاوزاً للتعميم رقم 33 الذي أصدره وزير التربية اللبناني في أيلول/سبتمبر 2022. فقد منع التعميم المدارس الخاصة من فرض أي مبالغ إضافية، أياً كانت تسميتها، على أولياء الطلاب، كما استحداث أي صندوق خارج الموازنة تحت طائلة اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تجيزها القوانين بحقّ المدارس المخالفة، وصولاً إلى الملاحقة القانونية والإحالة إلى المجالس التحكيمية.

ضغط حزبي – روحي

لكن ما العمل والمجالس التحكيمية لم تُشكَّل بعد (إلّا في محافظة جبل لبنان)، وهي غير فعّالة أيضاً، حيث لم يوقَّع مرسوم تشكيلها من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء؟ في حديث لجريدة “الحرّة”، تجيب رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، لمى الطويل، عن هذا السؤال بأن الحل الوحيد يكمن في إلزام المدارس بالتصريح عن كل المبالغ التي تتقاضاها بالدولار وكيفية صرفها، كما انتداب أساتذة للتدقيق في الموازنات من أجل تحديد أقساط محقّة وعادلة.

وتساءلت مستغربة عن أسباب عدم اتخاذ إجراءات صارمة كسحب توقيع مدراء المدارس المخالِفة أو إغلاقها، وعن عدم إصدار وزير التربية لأي مرسوم في مجلس الوزراء، على غرار المراسيم الأخرى التي جرى التوقيع عليها، إلزاماً للمدارس بالتصريح عن كل ليرة تتقاضاها – والتي تطال تعسّفاً أكثر من 400 ألف عائلة – وإدخالها ضمن الموازنة.

وأضافت أن نسبة التسرّب من التعليم الخاص إلى الرسمي قد تخطّت عتبة الـ30% هذا العام بعد الزيادات الخيالية وغير المبرّرة في الأقساط. كما ذكرت الضغط الذي مارسته البطريركية المارونية على رئاسة الحكومة لعدم نشر القانون الصادر عن مجلس النواب والملزم للمدارس الخاصة بالحصول على براءة ذمّة مالية من وزارة التربية تفيد بتسديد مستحقات صندوق التعويضات للأساتذة.

“أعطيناهم كافة الحلول الممكنة لكنهم لا يريدون العمل بها. لا زال رئيس الحكومة، بضغط من بعض الأحزاب والبطريركية، يرفض نشر القانون رغم قرار مجلس شورى الدولة بإلزامية ذلك، خوفاً من التصريح عن المبالغ التي تتقاضاها المدارس بالدولار، وبحجة عدم وجوب الاطّلاع على حسابات الرهبانيات. وقد وصلت الوقاحة بالبعض إلى تقديم مذكرة خطية إلى اللجنة الفرعية المعنية في مجلس النواب يعلنون فيها رفضهم للتدقيق المالي والاستمرار بفرض أقساطهم العشوائية”.

الحلّ، برأي الطويل، لن يكون سوى بممارسة وزير التربية الضغط باتّجاه تنفيذ القانون وإخضاع المدارس للتدقيق المالي. وختمت محذّرة من انفجار اجتماعي بدأت بوادره بالظهور في مشاهد تكسير واعتداء على بعض المدارس التي تمتنع عن منْح الإفادات لطلابها، أو منْع مدارس أخرى من فتح أبوابها.

القانون يكبّل الوزارة

مدير عام وزارة التربية بالتكليف ورئيس مصلحة التعليم الخاص، عماد الأشقر، أشار في لقاء مع جريدة “الحرّة” إلى أن الانهيار الحاصل جاء ضمن نمطية بدأت مع انهيار القطاع المصرفي والطبي والسياحي وصولاً إلى التربوي. “يعود ذلك إلى العام 2005 مع المطالبة بزيادة الرواتب، وتأزّم الوضع في العام 2018 مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب، إلى أن دخلنا اليوم في نفق الانهيار الكبير. حتى أنني أشكّ في “براءة” التعاطي مع جائحة “كورونا” كون قرار إبقاء المدارس مغلقة لسنتين متتاليتين – على عكس باقي الدول التي عادت وفتحت أبواب مدارسها آنذاك – هدف إلى ضرب ما تبقّى من هذا القطاع”.

كذلك، ساهم تفاقُم الفاقد التعليمي منذ العام 2019، في ظلّ تقليص المناهج، في تسريع الانهيار التربوي. وإذا كانت الامتحانات الرسمية تتكيّف مع هذا التراجع لتَعدُل بين الطلّاب، فالأخطر هو تكيُّف بعض الجامعات التي تشهد تراجعاً في مستويات امتحانات الدخول والمناهج، ما يطرح التساؤلات حول مستقبل قطاع التعليم في لبنان.

بالنسبة للأقساط، يشرح الأشقر كيف راحت المدارس الخاصة تستعيدها بالدولار كما كانت الحال قبل انفجار الأزمة الاقتصادية. “الطالب الذي كان قسطه 3 ملايين ليرة قبل الأزمة، أصبح اليوم 600 مليون ليرة. فكيف لموظف لا يتخطى راتبه 300 دولار، أي حوالى 30 مليون ليرة، أن يؤمّن أقساط أبنائه؟ دأبنا منذ العام 2019 على التحذير من التعليم الطبقي وها نحن نصل إليه اليوم بشكل واضح وصريح”.

نسأل عن دور الوزارة، فيلفت الأشقر إلى أن الموازنات تُقدَّم ضمن المهل المحدّدة في حين أن المستندات صحيحة بالشكل لكنها تخالف بالمضمون مواد القانون 515 الذي يمنع المدارس الخاصة من زيادة أي مبالغ على الأقساط ما لم تستجدّ أعباء فرضتها قوانين. “نحن كمصلحة تعليم خاص لا يحقّ لنا سوى مراقبة الموازنات واكتمال المستندات وموافقة لجان الأهل. وفي حال المخالفة، نقوم بتحويل الملف إلى المجلس التحكيمي المغيَّب منذ العام 2016. لسنا ضابطة عدلية ولا سلكاً قضائياً لمحاكمة المدارس. هذا القانون كبّلنا”.

أما عن التدقيق المالي، فأكّد أن القانون 515 لم يلحظ اعتماداً لذلك ولا حتى مشروع الموازنة. لذا، ثمة ضرورة لإقرار قانون جديد عصري يتناسب مع الواقع الحالي. “هناك مشروعا قانون تتمّ مناقشتهما في مجلس النواب على أمل إقرارهما بسرعة. أبرز ما يتناولانه انتخاب لجان الأهل بطريقة ديمقراطية؛ خضوع المدارس لرقابة مالية عبر تفعيل دور لجان الأهل؛ وعدم استيفاء أي مبالغ خارج القسط المدرسي المصرّح عنه في الموازنة. فعلى الجميع أن يدرك أن الجدران دون طلّاب لا تبني مدارس”.

مختلف الدلالات تشير في الآونة الأخيرة إلى محاولات ضرب قطاع التعليم الرسمي تعزيزاً للتعليم الخاص الطائفي – المذهبي. وإضرابات الأساتذة تتواصل، ما يعني عدم حصولهم على حقوقهم بعد. فهل ستجرؤ المدارس الخاصة على التصريح عن كلفة تعليم الطالب الواحد فيها، وعن كيفية صرف المبالغ المحصّلة من الأهل؟ على أي حال، لا بدّ من التمسّك ببارقة أمل بألّا يقف مَن عرقل تنفيذ قانون الذمة المالية (من مرجعيات روحية وسياسية) في وجه تعديل القانون 515. فغضب الأهل لا يرحم، متى بلغ السيل الزبى، حين يتعلّق الأمر بأولادهم.

https://hura7.com/?p=33692

 

الأكثر قراءة