الإثنين, ديسمبر 2, 2024
6.8 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور _ مكبّ وادي إدّه في البترون: نموذج عن أزمة نفايات مستعصية

قضاء البترون (شمالي بيروت) يختنق من جديد. ذلك بعد أن توقّف المكبّ المركزي في منطقة وادي إدّه عن استقبال شاحنات النفايات من قرى وبلديات القضاء كافة، ما أدّى إلى تراكُم النفايات على الطرقات العامة. الصرخة أُطلقت منذ سنوات للتحذير من مخاطر إبقاء المكبّ دون معالجة جدية. لكنها لم تلقَ أي تجاوُب من اتحاد البلديات ولا حتى من وزارة البيئة. وها هي مدينة البترون اليوم، سكّاناً وبيئة، أمام كارثة حقيقية بسبب الانبعاثات والروائح الكريهة كما الدخان الناتج عن الحرائق المتكرّرة. حرائق قد تكون مفتعلة، بحسب بعض المتابعين.  

يستقطب مكبّ وادي إدّه، التابع لاتحاد بلديات البترون، نفايات ما يزيد عن 35 بلدة وقرية بترونية، من تنورين ووطى حوب، إلى بلدات الوسط والساحل، بما يقارب 120 طنّاً يومياً. وهو مكبّ عشوائي اعتُمد منذ أكثر من نصف قرن في ظلّ غياب أي محاولة بلدية أو وزارية لتحويله إلى معمل فرز وتسبيخ إنقاذاً للأهالي من الأخطار المحدقة بهم.

منتصف الشهر الماضي، صدر بيان عن رئيس بلدية البترون يرجو فيه من المواطنين “الامتناع مؤقتاً عن وضع النفايات حول المستوعبات وعلى الطرقات العامة إلى حين الانتهاء من الأشغال الجارية في المكبّ وإعادته إلى العمل بشكل طبيعي بعد يومين”. عشرون يوماً مرّت وخطة المعالجة لم تبصر النور. في الأثناء، بدأ الأهالي برمي النفايات على الطرقات، فيما بادر بعضهم إلى حرقها علناً وبلا رادع، ما زنّر المناطق البترونية بحزام من الدخان السام.

 تنصُّل الجهات المعنيّة

في حديث لجريدة “الحرّة”، أشار رئيس هيئة حماية البيئة في لبنان، بيار أبي شاهين، إلى عشوائية المكبّ منذ البداية ما أدّى إلى تراكُم النفايات وتفاقُم الأمور فيه، إلى أن راحت الحرائق تندلع قبل سنوات. “عندها أكّدنا بأنه من غير المقبول إبقاء المكبّ على حاله، فحصلنا على وعد من كلّ من وزير البيئة ورئيس اتحاد بلديات البترون بأن يصار إلى إنشاء مصنع للفرز والتسبيخ، غير أن المشروع لم يُنفَّذ. وفي لقاء منذ فترة مع وزير البيئة، أبلغني بعدم تمكّنه من إنجاز أي خطوة فاعلة في هذا الخصوص لانعدام نيّة جميع الأطراف في المعالجة. فالبلديات عاجزة كما الوزارة والدولة. وحتى رئيس الحكومة، ابن مدينة طرابلس وبيته ملاصق للمكبّ، سحب يده من الملف. جلّ ما يفعلونه بعد كل حريق هو استقدام جرّافات وخلط بقايا النفايات بالتراب في محاولة للتحايل على المسألة. فهل يُعقل أن يحترق أو يُحرق المكبّ كلّ فترة وتزيد حالات التسمّم بين الأهالي وتظهر الأمراض، لا سيّما السرطانية منها، لدى البعض، فيصبح الإهمال مقدّمة لقتل الناس؟”.

 حلول يطمرها التواطؤ

نسأل عن الحلّ، فيرى أبي شاهين أن المعالجة تبدأ بإلزامية الفرز من المصدر، كون النفايات العضوية تمثّل 55% من مجموع النفايات (وهنا تكمن أهمية تخصيص مساحة لا تزيد عن 500 متر للقيام بعملية التسبيخ وبيع الإنتاج للمزارعين)؛ أما 29% من النفايات، فتتشكّل من البلاستيك والكرتون وغيرها من المواد القابلة للبيع؛ و16% فقط هي عبارة عن عوادم بحاجة للطمر. وأضاف أن عملية الفرز لا تكبّد المواطن أي تكاليف إضافية، لكنها تتطلّب رقابة حازمة من قِبَل البلدية بحيث تفرض العقوبات والضرائب على المتخلّفين عن الالتزام.

“هكذا نكون قد فكّكنا المعضلة وقلّصنا كمية النفايات في المكبّ إلى الربع تقريباً، وهي بقايا لا تتسبّب بأي تلوّث. الخطوة سهلة للغاية، غير أن المعوّقات تُختصر بإهمال المواطن وعدم مسؤوليته، من جهة، وبتقاعس اتحاد البلديات والبلديات وعدم خبرتها وربما بتواطئها أحياناً، من جهة أخرى”.

وفي حين حمّل أبي شاهين المسؤولية كاملة لاتحاد البلديات والبلديات، دعا كلّ من عجز عن إيجاد حلّ للمشكلة إلى تقديم استقالته أو الاستعانة بخبراء كون الاعتراف بالفشل ليس خطيئة. فالفرز هو أسهل الحلول، غير أن كافة البلديات المحيطة بالمكبّ غير مقتدرة مادياً وتنحصر إيراداتها بالمبالغ المخصّصة من الاتحاد. “المشكلة الكبرى هي تقاعُس الاتحاد المكلّف بإنقاذ أي بلدية متعثرة. لكن يبدو أن هناك مستفيدين من هذه الفوضى لمصلحة بعض الأزلام والمحسوبيات ممّن يقومون ببيع البلاستيك والكرتون وغيره”.

 بشاعة معمَّمة

في منطقة شكا، إحدى قرى قضاء البترون، تستعر الحرائق للأسبوع الثالث على التوالي. أما بلدات وطرقات القضاء كافة فبدأت تعوم بالنفايات، في حين تغيب خطط تأهيل المكبّ حتى الساعة. وكأن المقصود إغراق الأهالي في دوامة تقاذُف المسؤوليات والهروب إلى الأمام. إنها كارثة بيئية حقيقية تهدّد المنطقة وأهاليها: من تلوّث الهواء إلى البكتيريا الناتجة عن الحرائق وانتشار مادة الديوكسين المسرطنة، عدا عن تلوّث المياه العذبة وتهديد الثروة السمكية.

ووفق تقارير طبية، هناك ارتفاع بنسبة حالات السرطان في المناطق المجاورة للمكبّ، وازدياد ملحوظ في مشاكل التنفّس والجهاز الرئوي. فما المطلوب؟ “ثمة حاجة لتطبيق اللامركزية في مقاربة ملف النفايات. على وزير البيئة إعلان حالة طوارئ بيئية على امتداد لبنان وفرْض الخطة المناسبة التي يقترحها ومراقبة تنفيذها، كما إرسال خبراء لتدريب البلديات على عملية الفرز والتسبيخ، ونحن مستعدّون للمساعدة. كفى تذرّعاً بالأوضاع المالية التي تعاني منها البلديات. فجباية 10 دولارات من كلّ بيت شهرياً من شأنها معالجة المعضلة من أصلها”.

بالمناسبة، بلدة إهدن الشمالية أيضاً – وهي أحد أجمل مصايف لبنان – ليست أفضل حالاً. فهي تستقبل السياح بأكياس النفايات المرمية على الأرصفة. أما الأسف الأعمق فتجلّى بما سمعناه في معرض إعداد هذا التقرير عن كلاب شاردة في البترون تُعدَم وتُحرق في المكبّ إياه. جريمة تفوق أزمة النفايات والحرائق بشاعة. وللبحث صلة.

https://hura7.com/?p=31901

الأكثر قراءة