بقلم حسين القاضي
انسحبت فرنسا بشكل كامل من النيجر بخروج آخر قواتها فى ظل تدهور العلاقات مع دول الساحل الأفريقى «تشمل: مالى، بوركينا فاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا»، وطوى خروج فرنسا صفحة النموذج الغربى فى مكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل الأفريقى، ومهّد الطريق أمام مواجهة غير واضحة المعالم بين الأنظمة العسكرية والتنظيمات المسلحة، كما يعطى الفرصة للتدخل الروسى فى البلاد، ووجه آخر من وجوه تحديد مستقبل المنطقة يتعلق بالمواجهة بين تنظيمى داعش والقاعدة، حيث تحاول هذه التنظيمات الجهادية التوسع فى الساحل الأفريقى، مستغلة الأزمات المختلفة.
الوجود الفرنسى والوجود الغربى فى أفريقيا هدفه الظاهر مكافحة الإرهاب الذى ضرب بجذوره فى النيجر ودول الساحل، وهدفه الحقيقى الاستحواذ على ثروات الأفارقة، وخدمة الأجندات المتضاربة، ومثل انسحاب فرنسا نهاية الارتباط بين دول الساحل الأفريقى والقوات الفرنسية، بعد عشرة أعوام من الارتباط والتحالف.
خرجت فرنسا «مجبرة مرغمة» من النيجر، ليكون انسحابها هو الثالث لفرنسا من دول الساحل، فقد سبق أن انسحبت من مالى وبوركينا فاسو، ما يعكس تراجع الدور الفرنسى فى أفريقيا، الذى بقى ثانوياً فى قاعدتين بعد أن كانت لها 10 قواعد فى هذه البلاد.
ويعود الوجود الفرنسى فى أفريقيا إلى 2013، من خلال اتفاقيات تعاون مع الجيوش فى مالى وبوركينا فاسو والنيجر، وهى اتفاقيات لاقت دعماً أمريكياً، وكانت النيجر آخر دولة حليفة لفرنسا فى منطقة الساحل الأفريقى.
فك ارتباط النيجر ودول الساحل مع فرنسا يجعل روسيا هى المستفيد الأكبر، ويعزز توسعها فى الساحل، ويشجع الصين على استغلال حاجة أفريقيا للتنمية، ما يسهم فى خدمة الطموحات الصينية، ومنذ فترات بعيدة بدأت روسيا ممثلة فى قوات «فاجنر» ترسيخ وجودها فى أفريقيا، لإيجاد موطئ قدم فى منطقة الساحل الأفريقى، لتثبت أنها غير معزولة عن العالم، وأنها قادرة على بناء الجسور فى القارة، وسد ما عجزت عنه أوروبا وأمريكا، وتقويض نفوذهم فى أفريقيا.. إنه تنافس على الأجندات المتضاربة.
يشكل هذا تهديداً لمصالح أمريكا والغرب الأوروبى، مع الوضع فى الاعتبار أن الدول الأفريقية لم تنسَ المخاطر التى تعرضت لها من «فاجنر» التى تورطت فى أعمال قتل وعنف وانتهاكات إنسانية، كما حدث فى مالى.
تتحرك الصين بقوة فى أفريقيا، لتنامى دورها فى الاستثمار فى مجالات البنية التحتية، وإقامة شراكات اقتصادية.
هناك فرضية تتحدث عن «ملء ذاتى للفراغ» الذى خلّفته فرنسا، من خلال الاتحاد الأفريقى، والاتفاقيات المعقودة، «توقيع ميثاق ليبتاكو – جورمافى» فى سبتمبر 2023، وهذا التحالف يضم: مالى، بوركينا فاسو والنيجر، وهو تحالف مناهض للوجود الفرنسى والغربى فى الساحل الأفريقى، لكن الملء الذاتى سيواجه تحديات كبيرة، لأن الإرهاب اليوم مرتبط بالجهاد الاقتصادى والسيبرانى والتكنولوجيا والتهريب والأسلحة المطورة، ومرتبط كذلك باستخدام الذكاء الاصطناعى، وهى أمور أكبر من قدرات الدول الأفريقية، كما أن ألمانيا مهتمة باستئناف مشاريع فى النيجر.
لقد فاقم الانسحاب الفرنسى من النيجر عدداً من التحديات، أهمها مواجهة الجماعات الإرهابية، وفتح الباب أمام مواجهة غير واضحة للتنظيمات الجهادية، ومواجهة أخرى بين تنظيمى القاعدة وداعش مع الأنظمة الأفريقية، ومع أن وجود فرنسا فى النيجر لم يسهم فى مكافحة التنظيمات الجهادية، فإن انسحابها قد يزيد من زعزعة الاستقرار فى المنطقة، وحتى بوجودها تصاعدت أعمال العنف والقتل الذى تمارسه القاعدة وداعش، وتوسعت التنظيمات الجهادية فى التجنيد، وكسبت مساحات كبيرة، وازداد الوضع الداخلى سوءاً، وزادت الاضطرابات، وانتشرت مشاعر العداء، والاحتجاجات المتواصلة ضد الوجود الفرنسى فى النيجر، وما حدث فى النيجر شديد التشابه بما حدث فى مالى مع فرنسا، من فقدان الثقة، والاضطرابات الداخلية، وتنامى مشاعر الغضب.
فى المجمل: تظل طريقة أداء الدول الكبرى فى فلسطين وأفريقيا وأماكن أخرى أزمة وليست حلاً، وسبباً من أسباب انتشار الإرهاب، كما أن الدول العربية يجب أن يكون لها قدم فى أفريقيا من خلال التنمية.
رابط النشر –https://hura7.com/?p=14476