نستقبل اليوم عاماً جديداً ونودّع آخر أغرق بالمآسي أنحاء مختلفة من العالم. حروب قاسية قطّعت أوصال الأمم ودمار عميم خرج من بين براثن العنف. غيوم ملبّدة كثيرة تملأ الأفق، كي لا نكون واهمين. إلّا أن الإضاءة على إيجابيات من صنع أيدينا هي ما يجب أن يدفع بنا قُدماً. العام المنصرم حمل في طيّاته العديد من فسحات الأمل والتجدّد. فمن قلب المعاناة والظلام ورغم التحديات، لا بدّ لأشعّة من الضوء أن تنبثق، ولو خافتة، لتُظهر قدرة الإنسان على التغيير والارتقاء.
بلدان كثيرة تغرق في مستنقعات الفوضى. فلسطين الجريحة أوّل ما يخطر على البال ومن خلفها لبنان المأزوم وسوريا المتغيّرة. وحرب الأخوة الأعداء بين روسيا وأوكرانيا تُذكّر بقسوة البشر، إن أرادوا. واللائحة تطول. لكن بلداناً أخرى إما تحاول أو هي بطور التعافي من صراعاتها المزمنة. وبينها عدد غير قليل يخطو بثبات نحو المستقبل. أما خلف الخروج من نفق الأوجاع، فومضات إبداع وابتكار تسهم في بناء مجتمعات أكثر أمناً واستقراراً ورخاءً.
يكفي أن ننظر إلى الاختراقات التي تتوالى على المسرح العلمي وتعكس تواصُل التطور البشري الصنع في مختلف المجالات. من تحديد علاج يقي من شرّ الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة والسعي لإطالة العمر الصحّي للإنسان، إلى تعاظُم إمكانيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، مروراً بزيادة الوعي حول مكافحة تغيُر المناخ وصولاً إلى الاكتشافات المذهلة على صعيد سبر أغوار الفضاء المحيط بنا – القريب والبعيد.
رغم سهام الحروب وندوبها، يقف العام 2024 شاهداً على قدرة الشعوب والأمم على تبادُل حفر الجراح كما تحويل الآلام إلى آمال، والدمار إلى بنيان. ففي ظلال عالم مضطرب، تتجلى الإرادة الإنسانية بتماسكها، وتحدياتها التي لا تنتهي، ورغبتها العميقة في الانتصار على الصعاب. وبينما نودّع عاماً مضى بما حمل، نستقبل سنة 2025 متطلعين إلى مزيد من الإنجازات التي تبني جسور السلام والوئام والازدهار الفردي والجماعي. فصناعة الأمل والتقدّم هي السبيل الأنجع نحو مستقبل أفضل.