الجمعة, أكتوبر 4, 2024
14.3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ الأوبئة والأمراض التي تهدّد النازحين اللبنانيين: خطر يتفاقم في ظلّ الأزمات

حذّرت منظمة الصحة العالمية مطلع الأسبوع الحالي أن النزوح وسوء الوضع المعيشي في لبنان يهدّدان برفع خطر الإصابة بالأوبئة والأمراض، في وقت لا تزال المنظومة الصحية متأثرة ومنهكة مع استمرار تصاعد العنف. كما لفتت المنظمة إلى تسجيل 118466 حالة نزوح داخلي جديدة خلال الفترة الممتدّة بين 23 و27 أيلول/سبتمبر الماضي.

تتفاقم موجة النزوح الداخلي في لبنان نتيجة الأوضاع المتدهورة حتى وصلت أعداد النازحين، بحسب آخر إحصاء رسمي، إلى مليون ومئتي ألف نازح، توزّعوا بين المدارس الرسمية والخاصة، الجامعات، الكنائس والأديرة، الجوامع ودور العبادة، وبعض الساحات العامة. هذا الواقع الذي وضع النازحين في مواجهة ظروف معيشية وصحية قاسية يجعلهم عرضة لانتشار الأمراض المعدية. ومع تفاقم الفقر والازدحام، تعلو التحذيرات من نشوء بيئة خصبة لانتشار الأوبئة بشكل سريع، ما يهدّد الصحة العامة في لبنان.

اكتظاظ مراكز الإيواء بالنازحين اللبنانيين يُنذر بزيادة فُرص ومخاطر الإصابة بالأمراض المعدية، لا سيّما الجلدية منها، حيث تفتقر هذه المراكز إلى المرافق الأساسية، كالمياه الصالحة للشرب وأماكن الاستحمام المجهّزة. هذا إضافة إلى خطر تراكم مياه الصرف الصحي وغياب خدمات الرعاية الصحية تزامناً مع عدم توفر المنظّفات والمعقّمات والأدوية وغياب أدنى معايير النظافة الشخصية.

كارثة صحية تدقّ ناقوس الخطر وتلوّح إلى وقوع إصابات جماعية ستتفاقم حدّتها نتيجة القيود المفروضة على حركة الطيران، والتي ستؤخّر وصول شحنات كبيرة من الإمدادات الطبية إلى لبنان، كما أفادت منظمة الصحة العالمية يوم أمس.

وقد أشارت مصادر طبّية لجريدة “الحرّة” أن الأطفال وكبار السنّ هم الأكثر تضرراً من تدهور الوضع الصحي وانتشار الأمراض حيث يكونون عرضة لأمراض متنوعة، أخطرها التنفسية المعدية مثل السلّ والتهاب الرئة والجهاز التنفسي والإنفلونزا، والتي تنتقل بسهولة في الهواء وتتفشى بشكل سريع في الأماكن التي تفتقر إلى التهوئة الكافية. هذا وتعلو التحذيرات من استفحال مرض كوفيد-19 في ظلّ الجائحة العالمية حيث من المحتمل أن ترتفع الإصابات بين النازحين مع غياب التدابير الوقائية اللازمة.

وترى المصادر نفسها أن المياه الملوّثة وغير النظيفة هي العدوّ الخفي لهؤلاء النازحين إذ تتسبب لهم بأمراض معوية مثل الكوليرا والتيفوئيد والإسهالات الفيروسية، حيث يمكن للبكتيريا أن تنتقل عبر المياه أو الطعام الملوّث مؤدية إلى حالات إسهال وجفاف شديد، أو حتى إلى نتائج كارثية ومضاعفات خطيرة تصل إلى حدّ الوفاة إذا لم تُعالج.

أما الأمراض الجلدية مثل الجَرَب والعدوى الفطرية، فيُرجّح بدء انتشارها قريباً في مراكز الإيواء، كونها تنتقل بسهولة عن طريق الطفيليات الجلدية، وتتفشى في البيئات التي يفتقر فيها الأفراد إلى أدنى معايير النظافة الشخصية. ويكون ذلك عبر التلامس الجسدي المباشر أو عن طريق الاستخدامات المشتركة.

هذا ونبّهت المصادر من سوء التغذية الذي ينتج عنه أمراض نقص المناعة لا سيّما لدى الأطفال والرضّع. كذلك نقص الفيتامينات والحديد والمعادن الأساسية الذي يزيد من احتمالية تعرّض النازحين لمضاعفات صحية خطيرة.

تحذيرات منظمة الصحة العالمية جاءت تزامناً مع صرخة أطلقها نقيب الصيادلة في لبنان، الدكتور جو سلوم، عبر جريدة “الحرّة”، يعلن فيها أن 80% من أدوية الأمراض المزمنة متوفرة في الشركات والمصانع اللبنانية لأشهر قليلة ومعدودة فقط. غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في قطع الطرقات ما يحول دون القدرة على توزيع الدواء. “معضلة إضافية تتعلّق بمرضى السرطان والأمراض المستعصية الذين يعانون أصلاً من عدم توفّرالعلاج، فكيف اليوم ونحن في حالة حرب؟ نحاول، كنقابة صيادلة، الاستعانة بصيادلة متطوعين لزيارة مراكز النزوح ومساعدة الأهالي وإعطاء الإرشادات اللازمة المتعلقة بالدواء. هذا ونقوم بتوزيع بعض المساعدات التي تصلنا من الجهات المانحة على مراكز الإيواء وعلى الصيادلة النازحين وعائلاتهم”.

الوقاية والتدخل العاجل لتأمين العلاجات واللقاحات اللازمة هما الحلّ الوحيد لتفادي كارثة صحية بدأت تعصف بمراكز النزوح. فأين الحكومة اللبنانية ولجنة الطوارئ الصحية والجهات المختصة من تدخّل عاجل وشامل لتفادي أزمة قد تنفجر بين يوم وآخر؟

في حديث لجريدة “الحرّة”، أشار رئيس حملة “الصحة حقّ وكرامة”، النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية، إلى أن لجنة الطوارئ الوطنية لم تثبت سابقاً، وخلال كافة الأحداث التي مرّ بها لبنان، فعاليتها وقدرتها على مواجهة الأزمات. “نحن لسنا دولة ذات مؤسسات فاعلة، ولا وطناً موحّد الانتماء. ثقافتنا استهلاكية بامتياز إذ ننتظر وقوع الواقعة لنتوجّه إلى الخارج بطلب المساعدة. ما وصلنا إليه اليوم كان متوقعاً منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر الماضي. وكان واضحاً أن لبنان هو في عين العاصفة. رغم ذلك لم نتمكّن من وضع خطة طوارئ وطنية سليمة، بل كانت خطة يغلب عليها طابع التنظير والظهور الإعلامي”.

هذه الخطة التي لم تلحظ أساساً فرضية حصول “طوفان التهجير”، رغم أنه كان متوقعاً لا بل شبه مؤكّد، لم تضع تصوّراً ولا حتى اقتراحات لأسماء مؤسسات مجهّزة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من النازحين. “لقد أحسنوا الكلام وأساءوا الترجمة. منذ أشهر طويلة ونحن نسمع بخطة طوارئ صحية، كما تفرّغت المنظمات غير الحكومية للعمل على تطبيقها وتمّ تدريب بعض الأشخاص على كيفية التعاطي مع الأزمة. لكن أين هم اليوم الأطباء والمختصون من زيارة ومراقبة مراكز الإيواء بشكل دوري للكشف عن تفشي الأمراض الجرثومية والفيروسية والجلدية ومعالجتها قبل تفاقمها وانتشارها بين كافة اللبنانيين؟ أين القرارات التاريخية والضرب بيد من حديد لاتخاذ إجراءات سريعة ووضع كافة المراقبين والإداريين والقيادات بحالة استنفار صحي؟ أم أن العين كالعادة هي على المساعدات الخارجية؟”.

أسئلة ستبقى إجاباتها في مهبّ تقاعس دولة عاجزة عن اتخاذ قرار الحرب والسلم، وحكومة صحّ وصفها بـ”حكومة الدمى”. فتوزّع النازحين على الأماكن التي يتواجدون فيها ليس صحياً، إذ، وبحسب سكرية، كان على لجنة الطوارئ التحضير لإنشاء مخيّمات مجهّزة لاستقبال هذا الدفق البشري التهجيري. “وصلنا إلى ما وصلنا إليه، والأمور في طريقها للخروج عن السيطرة. نازحون وصلوا إلى المراكز حاملين معه بعض الأوبئة والأمراض؛ الدولة عاجزة؛ المنظمات غير الحكومية لم تتحرّك؛ والأدوية غير متوفرة بشكل كافٍ خاصة بعد أن قلّصت شركات الأدوية نسبة الاستيراد نتيجة الأزمة الاقتصادية. نحن متجهون إلى مشاكل صحية تتخطى قدرة وزارة الصحة والقطاع الصحي على التعاطي كما يجب وكما يليق معها”.

لا يختلف اثنان على أن الأوبئة والأمراض التي تهدّد النازحين واللبنانيين ككلّ تمثّل تحدياً خطيراً يجعل الحرب الدائرة أكثر قساوة وتعقيداً. غير أن الطامة الكبرى تتمثّل في ما بدأ يتمّ تداوله عن تفلّت أمني واجتماعي في صفوف بعض الجماعات النازحة، سببه تجارة السلاح والكبتاغون المعروف بـ”كوكايين الفقراء”. فهل تتحوّل التحدّيات الداخلية إلى حرب أكثر فتكاً من حرب القذائف والدمار؟

https://hura7.com/?p=34461

 

الأكثر قراءة