الجمعة, سبتمبر 20, 2024
13.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

ما أسباب تغيّر موقف باريس المفاجئ إزّاء حرب إسرائيل في غزة؟”  

ما أسباب تغيّر موقف باريس المفاجئ إزّاء حرب إسرائيل في غزة؟”  

مونت كارلو الدولية- منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلنت فرنسا دعمها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ووقفت بحزم إلى جانبها في مواجهة حركة حماس، التي قال الرئيس إيمانويل ماكرون “إنها تتخذ المدنيين دروعا بشرية”. في سياق تصاعد حدة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية، تنامت الأصوات الدولية المعارضة لاستهداف المدنيين. وانضمت فرنسا إلى تلك الأصوات، حيث تغيرت لهجة باريس وباتت أكثر حدة تجاه تل أبيب، الأمر الذي خلق “ارتباكا دبلوماسيا” في سياق معقد كما قال الأكاديمي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية فرانك فارنيل لمونت كارلو.

كان ماكرون من بين زعماء الدول الأوائل الذي زاروا إسرائيل للتعبير عن دعمه ومساندته، ولكن أيضاً لاقتراح تشكيل تحالف دولي ضد حماس، على غرار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن دعوته لم تلق أي تجاوب، ما جعله ينصرف إلى اقتراح تحالف من نوع آخر خلال قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل، قال خلالها إن عدة دول أوروبية تتطلع إلى بناء “تحالف إنساني” فيما يتعلق بغزة.

خلال القمة الأوروبية، أوضح ماكرون أنه يدرك تماما الرغبة الصحيحة والمشروعة في محاربة الإرهاب، لكنه اعتبر أن “الحصار الكامل والقصف العشوائي، بل والأكثر من ذلك احتمال القيام بعملية برية واسعة النطاق، ليس من المرجح أن يوفر الحماية المناسبة للسكان المدنيين”، مضيفا أن “الهدنة الإنسانية مفيدة اليوم لتكون قادرة على حماية أولئك الموجودين على الأرض. الذين تعرضوا للقصف”.

تعليقا على ما اعتبره البعض “تراجعا” عن فكرة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ضد حماس، يقول الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي حسين الوائلي، إن باريس عادت لتتبنى الفكرة التقليدية القائمة على أساس قواعد الأمم المتحدة، والعمل على تخفيف الكلفة الإنسانية، عوض سلك مسار تصعيدي قد يطيل أمد الحرب ويزيدها تعقيداً.

غياب تفاعل إسرائيل مع مقترحات ماكرون اعتبره محللون سياسيون “فشلا دبلوماسيا”، وسببا آخر دفع الإيليزيه إلى العمل على تحقيق توازن أكبر بخصوص الموقف إزاء الحرب.

في هذا السياق، حض الرئيس الفرنسي في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إسرائيل على وقف “القصف الذي يقتل مدنيين في غزة”. وقال: “نحن نشاطر (إسرائيل) وجعها، ونشاركها رغبتها في التخلص من الإرهاب”، لكن “لا يوجد أي مبرر” للقصف الذي يقتل مدنيين في غزة” خاص بالقول “الأطفال والنساء والمسنين”.

وأضاف أن “رد الفعل هذا في مكافحة الإرهاب، لأنه صادر عن ديموقراطية، يجب أن يكون وفقا للقواعد الدولية للحرب والقانون الإنساني الدولي”. ورداً على سؤال حول انتهاك إسرائيل المحتمل للقانون الدولي، أكد ماكرون أنه “ليس قاضيا”، مبديا قلقه من أن يؤدي “القصف المكثف” لغزة إلى “استياء” في المنطقة.

في إسرائيل، لم يفوت المسؤولون الحكوميون وعلى رأسهم رئيس الوزراء، فرصة الرد على تصريحات ماكرون، خشية تشجيعها قادة آخرين على اقتفاء أثره والمطالبة بوقف إطلاق النار. لذا، وبعد فترة قصيرة، كتب نتنياهو منشورا ذكر فيه :”أن مسؤولية إيذاء المدنيين تقع على عاتق حماس-داعش، وليس على إسرائيل. يجب على قادة العالم إدانتهم. دعونا نتذكر بأن إسرائيل دخلت الحرب بسبب قيام المنظمة الإرهابية بقتل مئات الإسرائيليين بوحشية وخطف أكثر من 200 منهم، بينما إسرائيل تبذل كل شيء لتجنب قتل المدنيين وتطالبهم بترك مناطق الحرب- أما حماس-داعش تبذل كل شيء لمنعهم من الخروج إلى المناطق الآمنة وتستخدمهم كدروع بشرية”.

وفي محاولة للتدارك، تحدث ماكرون مع نظيره الإسرائيلي هاتفيا مؤكدا أنه “لم يتهم إسرائيل بإيذاء المدنيين عمداً في غزة.

الرئاسة الإسرائيلية قالت بعد الاتصال إن “ماكرون أوضح أنه لم تكن لديه نيّة اتهام إسرائيل بتعمد إيذاء مدنيين أبرياء في إطار الحملة ضد منظمة حماس الإرهابية”.

ضغط داخلي

من بين أسباب التغير الحاصل في موقف باريس، الضغط الداخلي الذي يمارسه منذ أسابيع سياسيون ودبلوماسيون يدعون حكومة ماكرون إلى تبني السير على نهج سابقاتها في لعب دور متوازن بين طرفي النزاع.

آخر تلك المواقف عكسته مذكرة أرسلها دبلوماسيون فرنسيون إلى رئيس بلادهم، أعربوا من خلالها عن أسفهم إزاء موقف باريس في الحرب على قطاع غزة.

وبحسب صحيفة “لو فيغارو”، أعرب نحو 10 دبلوماسيين فرنسيين يعملون في الشرق الأوسط والمغرب العربي، عن انتقادهم لموقف باريس المؤيد لإسرائيل في قضية غزة، وذلك في بيان أرسلوه إلى وزارة الخارجية.

ووفقا للصحيفة فإن موظفا بوزارة الخارجية، طلب عدم الكشف عن هويته، ذكر أن البيان أوضح أن موقف ماكرون المؤيد لإسرائيل بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يتعارض مع سياسة “التوازن” التي تبنتها فرنسا حتى الآن في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وبحسب موظف الخارجية، فقد أشار البيان إلى أن الموقف الذي اتخذه الرئيس ماكرون بشأن قضية غزة أثر “سلبًا” في سمعة فرنسا ونفوذها.

مراقبون يرون أن وراء تصريحات ماكرون الأخيرة اعتبارات داخلية تتعلق بالمخاوف من مظاهرات وأعمال شغب في فرنسا. هذا الأمر أكده الرئيس الفرنسي حين قرر عدم المشاركة في مسيرة التنديد بمعاداة السامية بفرنسا التي نظمت بباريس الأحد 11/12.

ورغم غيابه حفظا للحمة الوطنية وتجنبا لإذكاء مشاعر الاستقطاب وفق تصريحه، قال ماكرون إنه سيكون حاضراً مع المتظاهرين “بتفكيره”، مؤكدا أن “النضال ضد معاداة السامية يجب ألا يقسمنا أو يقودنا إلى مواجهة مواطنينا بعضهم لبعض”، مبديا أسفه لما اعتبره “كثيرا من الخلط” و”الاستغلال السياسي” للموضوع.

التشكيك في الرواية الإسرائلية

في مقابل غياب أدلة ملموسة تعزز رواية الجيش الإسرائيلي بخصوص اختماء مقاتلي حماس داخل المستشفيات واتخاذهم جزءا من مجمع الشفاء مقر قيادة، تتعالى الأصوات المنددة بالحرب والداعية إلى معاقبة إسرائيل. ما بات يثير قلق تل أبيب اليوم، هو أن كثير من المنتقدين من أقرب حلفائها وداعميها. تحذيرا من تداعيات ذلك، نبهت الولايات المتحدة حليفتها في الشرق الأوسط إلى أن الوقت بدأ ينفذ وأنه سيصبح من الصعب عليها تحقيق أهدافها العسكرية في غزة مع اشتداد الغضب العالمي بشأن حجم المعاناة الإنسانية هناك.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال الخميس 11/16، إنه كانت لدى جيش بلاده “مؤشرات قوية” بشأن وجود عدد من المحتجزين في مجمع الشفاء الطبّي، ولكنه اعترف بأن القوات الإسرائيلية لم تعثر على أي محتجز، بعد اقتحامها للمستشفى خلال هذا الأسبوع.

هذه التطورات التي تعزز الشكوك بشأن الرواية الإسرائيلية، سبب آخر وفق مصادر دبلوماسية في مراجعة فرنسا موقفها وعدم الانسياق بشكل “أعمى وراء كل مال يصدر عن تل أبيب”.

الأكثر قراءة