الخميس, سبتمبر 19, 2024
22.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ طيور جديدة في لبنان لكن التنوّع البيولوجي بخطر

هي ليست المرّة الأولى التي يجري فيها اكتشاف أنواع جديدة من الطيور في لبنان. فقد تمكّنت الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة من تسجيل ثلاثة اكتشافات تمّ توثيقها من قِبَل لجنة الطيور النادرة في لبنان، بحسب ما نشرت مجلة “Sandgrouse” العلمية في نسختها الـ46 لربيع العام 2024.

في عودة سريعة إلى الوراء، شوهدت في نيسان/أبريل 2023 أنثى طير “الزيبرا فينش” أو (Taeniopygia Guattata) في قضاء زغرتا الواقع في محافظة لبنان الشمالي لتلاحَظ لاحقاً خمسة طيور من النوع نفسه في تموز/يوليو الماضي وهي تمارس سلوك التكاثر. أما في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، فشوهد طائر البلشون الأخضر (Butorides Striata) في شمال لبنان لعدّة مرّات وهو يتغذّى على ضفاف الأنهر هناك. وفي الشهر نفسه، رُصد طائر الغاق الأوروبي  (European Shag) في الشمال اللبناني أيضاً. وشوهد طائر من النوع نفسه مجدّداً في كانون الثاني/يناير الماضي، حيث عاد ليظهر للمرّة الثالثة في المنطقة نفسها.

رئيس الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة، الدكتور ميشال صوان، أشار لجريدة “الحرّة” إلى أن الاكتشافات التي حقّقها أفراد الجمعية ليست جديدة، حيث أُضيف 11 نوعاً إلى لائحة الطيور في لبنان (والتي تضمّ أساساً 415 نوعاً) خلال السنوات الأربع الأخيرة. وأضاف أن هذه المشاهدات جاءت ثمرة عمل دؤوب ودوريات شبه يومية لمراقبة الطيور، خصوصاً خلال موسمَي الهجرة (الخريف والربيع) وما بينهما. “لا أؤمن كثيراً بالصدف بل بالعمل المتواصل. والدليل أننا رصدنا أكثر من 10 أنواع جديدة من الطيور خلال السنوات الماضية، عدا عن تلك المفرخة والتي كان آخرها قبل أيام حيث تمّ تسجيل نوعين مختلفين من طائر صياد السمك الملكي، العادي وأبيض الصدر”.

عالَم الطيور لا يعرف حدوداً. لكن بما أن التغيّر المناخي آخذ بالتعاظم، وحيث لا يزال المهتمّون قادرين على البحث والمراقبة، توقّع صوان أن يجري تسجيل المزيد من الطيور لبنانياً، لا سيّما لما لذلك من دور سياحي سينعكس إيجاباً على المنطقة عامة. فلبنان يقع على ثاني أهم خط هجرة للطيور المهاجرة في العالَم، ما يمنحه امتيازات عديدة في هذا السياق. “بدلاً من الذهاب إلى أكثر من دولة لرؤية أنواع مختلفة من الطيور، يمكن الحضور إلى لبنان حيث تتوافر مجموعة متنوّعة منها. لكن هناك عوامل تؤثّر سلباً، أبرزها أخطار الحرب وعدم الاستقرار كما ممارسات الصيد الجائر”.

نتابع لنسأل عن الظروف التي أدّت إلى ظهور هذه الطيور في لبنان، فينسب صوان الأمر بالدرجة الأولى إلى التغيّر المناخي والاحتباس الحراري إذ إن الطيور المكتشَفة للمرة الأولى هي صحراوية بأكثريّتها. “هذا يعطينا فكرة واضحة إلى أين نحن متّجهون، رغم أنه لا يمكننا التأكيد تماماً حتى الساعة. وما سلوك التكاثر الذي يمارسه طير “الزيبرا فينش” سوى دلالة على أن هذه الطيور تأقلمت مع المناخ اللبناني. علماً بأنها تعيش عادة في صحراء أستراليا وجنوب آسيا، أي في مناخات صحراوية بامتياز”.

ثمة عوامل أخرى قد تعيق عمل الجمعية، بحسب صوان. وهي تتمثّل بغياب الدعم الكافي لتنظيم رحلات استكشافية، الوضع الأمني غير المستقرّ وعدم منح التراخيص لدخول بعض المناطق المحرّمة (ومنها جنوب نهر الليطاني وجرود منطقة عرسال البقاعية والمخيّمات الفلسطينية، حيث يتعذّر معرفة أنواع الطيور الموجودة هناك). أما بالنسبة للصيد الجائر، فحدّث ولا حرج. “الوضع متفلّت جداً حيث تُقتل الطيور التي تسجَّل للمرّة الأولى على الساحل شمالاً وجنوباً. لقد قمنا بتسجيل عدد من تلك التي جرى القضاء عليها مباشرة بعد نشْرنا لصوَر تواجدها. الصيد الجائر وعدم تطبيق القانون يعرّضان هذه الطيور للخطر. صحيح أننا نتعاون بشكل وثيق مع القوى الأمنية ووزارة البيئة، لكنه تعاون محدود ويقتصر على مناطق معيّنة. كذلك، نناشد البلديات ووزارة الزراعة إيجاد حلّ للقطط الشاردة، ذلك أن الأخيرة تمكّنت من القضاء على طيور “الزيبرا فينش” بعد أن وصل عددها إلى 25 طيراً. وهناك طيور بحرية تتأثر بتلوّث المياه كما بشباك الصيادين أو بالصيد بالديناميت الذي يحصل بشكل فاضح”.

بالرغم من هذه الاكتشافات، من المؤسف أنه اتُّفق على تسمية لبنان بلد “الثقب الأسوَد” الذي “يبلع” الطيور ويتسبّب بنفوق الآلاف منها سنوياً نتيجة الممارسات الجائرة منه، في آخر اجتماع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNEP) في بيروت. “نوثّق سنوياً آلاف المخالفات بسبب غياب الضابطة البيئية. كما يتمّ تهريب كواشف الأضواء وآلات الصيد والشباك بطرق شرعية أحياناً، ما يثبت تفلّت الرقابة وغياب التشدّد في فرض العقوبات. ثم أن من شأن تهريب أنواع جديدة من الطيور عبر الحدود التأثير على التنوّع البيولوجي في لبنان مستقبلاً، وهو أمر خطير للغاية”.

هي بالطبع اكتشافات بارزة تضاف إلى رصيد الباحثين اللبنانيين في مجال التنوّع البيولوجي. لا بل إنها تُعتبر حدثاً مميّزاً بذاتها نسبة لصغر مساحة لبنان. لكن تبقى المناشدة، بوجه المخاطر ذات الصلة، ذات شقّين: إنسانية أوّلاً للحدّ من الصيد الجائر وتبعات الإجرام البشري؛ ورسمية ثانياً للتشدّد في إجراءات الرقابة وحماية الطيور من المفترسات. فالأخيرة تُقدَّر أعدادها بحوالى مئة ألف وتشكّل عامل تهديد جدّي لطيور تتمنّى بلدان أخرى أن تراها تهاجر إليها.

 

https://hura7.com/?p=28653

الأكثر قراءة