الجمعة, سبتمبر 20, 2024
13.3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ ظاهرة التصحّر تجتاح المنطقة العربية… هل من حلول؟

يحتفل العالم في السابع عشر من حزيران/يونيو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة التصحّر والجفاف. مناسبة تذكّرنا باعتبار المنطقة العربية إحدى أكثر مناطق العالم هشاشة في نظامها البيئي حيث تُصنَّف 90% من أراضيها ضمن المساحات الجافة، بحسب ما نبّهت مؤخراً الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن تدهوُر الأراضي يؤثّر على حوالى مليارَي هكتار من المساحات الزراعية، ما يطال بتداعياته نحو 1.5 مليار شخص حول العالم. وتؤدّي التعرية إلى فقدان 24 مليار طن من التربة الخصبة سنوياً كما إتلاف 12 مليون هكتار من الأراضي. بدورها، قدّرت الأمم المتحدة نفقات مكافحة التصحّر بين 10 إلى 20 مليار دولار أميركي سنوياً في حين تبلغ خسائر الإنتاج حوالى 28 مليار دولار. بينما حذّر صندوق البيئة العالمي من آثار سلبية تهدّد العالم على المديَين القريب والبعيد ما لم تتمّ السيطرة على ظاهرة التصحّر ومسبّباتها.

أسباب طبيعية وبشرية

لمزيد من الشرح تواصلت جريدة “الحرّة” مع الباحث البيئي الفلسطيني، خالد أبو علي، الذي وصف ظاهرة التصحّر بالمعقّدة ومتداخلة العوامل. فما هي أبرز مسبّباتها؟ بداية مع العوامل الطبيعية، وأبرزها التغيّرات المناخية والتقلّبات في درجات الحرارة كما تراجُع هطول الأمطار ما ينتج عنه جفاف التربة وفقدان الغطاء النباتي. كذلك، تلعب الظروف الجغرافية دوراً هاماً أحياناً، حيث تكون بعض المناطق الصحراوية أو شبه الصحراوية عرضة لعملية التصحّر أكثر من غيرها.

وللممارسات البشرية غير المسؤولة آثارها هي الأخرى. ونذكر الزراعة غير المستدامة واستخدام تقنيات زراعية تستهلك كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى إزالة الغابات وقطع الأشجار ما يؤدّي إلى فقدان الغطاء النباتي الحامي للتربة. ثم هناك الحرائق المفتعلة، الرعي الجائر وتوسُّع العمران العشوائي على حساب الغابات والمساحات الزراعية. ناهيك بالتلوّث الناتج عن النفايات الكيماوية والصناعية التي تؤثّر على صحة التربة والغطاء النباتي على حدّ سواء.

غنيّة بالمياه ولكن…

عن كون الدول العربية الأكثر هشاشة في هذا السياق رغم غنى ثرواتها المائية، يقول أبو علي: “التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو التوزيع غير العادل للموارد المائية. ففي حين تتغنّى مصر والعراق بنهرَي النيل والفرات، تعاني دول أخرى من شحّ في هذه الموارد. كذلك، تفتقر البنية التحتية في بعض الدول العربية إلى تخزين وتوزيع المياه بشكل فعّال ما يتسبّب بهدر كميات كبيرة  منها. أما الاستخدام البشري غير المستدام فيستنزف بدوره الموارد تلك. هذا إضافة إلى النمو السكاني والتوسّع العمراني السريع الذي يزيد الطلب على المياه سواء للاستخدامات المنزلية أو الصناعية”.

ليس هذا فحسب، إذ إن ارتفاع درجات الحرارة على صعيد المنطقة العربية وانخفاض معدّلات هطول الأمطار – وبالتالي زيادة معدّلات التبخّر – يقلّل من كميات المياه المتاحة. أما التغيّرات المناخية وشدّة فترات الجفاف، فتؤدّي إلى تدهور الأراضي الزراعية وزيادة التصحّر. ووفق أبو علي، صحيح أن المنطقة العربية غنيّة بالموارد المائية، لكن مواجهة التصحّر لا تكون إلّا عبر تطوير سياسات مائية مستدامة وتحسين إدارة الموارد المائية، كما تطوير البنية التحتية للمياه وتشجيع الزراعة المستدامة، إضافة إلى الحدّ من التوسّع العمراني غير المنظّم والاستثمار في التقنيات الحديثة والمتطوّرة لترشيد استخدام المياه.

جولة عربية

يكمل أبو علي مردفاً أن “بعض دول الخليج تعاني، حيث تزيد درجات الحرارة عن 50 درجة مئوية، من نقص حادّ في الموارد المائية الطبيعية وتعتمد بشكل أساسي على تحلية مياه البحر. أما دول شمال أفريقيا والمغرب العربي، فتواجه تحدّيات مشتركة جمّة نتيجة التغيّرات المناخية والجفاف، من جهة، والضغط السكاني، من جهة ثانية. فرغم الجهود الحكومية المستمرّة والتحسّن الملحوظ في تطبيق بعض السياسات، إلّا أن استخدام التقنيات الحديثة ما زال خجولاً. أما دول بلاد الشام – أي سوريا ولبنان وفلسطين – فهي لم تسلم من نقص الموارد المائية، لا سيّما فلسطين حيث تخضع مواردها المائية لهيمنة الاحتلال”.

لكن ماذا لو استمرّ الوضع على ما هو عليه وما هي آثار التصحّر على المدَيين القريب والبعيد؟ يجيب أبو علي مشيراً إلى تدهور بيئي يتمثل بفقدان التربة للخصوبة وازدياد نسبة الملوحة فيها، ما يحدّ من قدرتها على دعم الحياة النباتية؛ وتراجُع التنوّع البيولوجي وتدمير الموائل الطبيعية وتآكل التربة بفعل الرياح والمياه. كما يمكن أن تتحول مساحات شاسعة من الأراضي إلى غير صالحة للزراعة، في حين يُحتمل أن يؤدّي التصحّر إلى تغيير أنماط الطقس المحلية وازدياد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.

بالنسبة للانعكاسات الغذائية، يشهد العالم العربي انخفاضاً في الإنتاجية الزراعية ما يُترجَم ارتفاعاً في الأسعار. أما ديموغرافياً، فيُضطرّ السكان إلى مغادرة المناطق المتصحّرة للبحث عن سُبل عيش أفضل ما يرفع من منسوب الضغط على المدن وبناها التحتية والخدماتية. “على المدى البعيد، يمكن أن نشهد هجرة دولية. وهذا التغيّر في الأنماط والتوزيع السكاني يؤثّر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يمكن للتصحّر أن يكون ذات آثار كارثية على المستوى الاجتماعي حيث تكثر النزاعات والصراعات على الموارد التي تتناقص يوماً بعد يوم، وحيث ستلجأ بعض المجتمعات إلى تعديل نمط حياتها وسُبل عيشها للتكيّف مع المتغيّرات. ويمكن لعمليات النزوح والهجرة أن تخلق مجتمعات غير مستقرّة تفقد تراثها الثقافي وتقاليدها المحلية بما يولّد ذلك من تحدّيات اجتماعية”.

استراتيجيات ممكنة

يتطرّق أبو علي لمواجهة الأخطار الناتجة عن التصحّر. فيرى أن العلاجات ما زالت ممكنة، لكنها تتطلب جهوداً كثيفة ومتواصلة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية. “هنا يمكن الحديث عن استراتيجيات لمكافحة الظاهرة مثل إدارة المياه المستدامة واستخدام الري بالتنقيط والري تحت السطحي؛ بناء السدود الصغيرة والخزّانات لتجميع مياه الأمطار؛ إعادة التشجير لتثبيت التربة ومنع التآكل؛ إنشاء أحزمة شجرية خضراء حول المناطق الصحراوية لوقف زحف الرمال وتحسين المناخ المحلي، مع التأكيد على تطبيق تقنيات زراعة مستدامة وحديثة واستخدام الأسمدة العضوية بدلاً من تلك الكيماوية الضارّة للتربة على المدى الطويل”.

وهذه أمثلة على استراتيجيات جدّية تضعها بعض الدول لمكافحة التصحّر: مبادرة السور الأخضر العظيم الذي يمتدّ من السنغال إلى جيبوتي، وهو عبارة عن حزام أخضر بطول 8 آلاف كيلومتر للتصدّي للظاهرة وتحسين الأمن الغذائي؛ ومشروع إعادة التحريج في الصين، خصوصاً في مناطقها الشمالية من خلال زراعة ملايين الأشجار. أما عربياً، فلا بدّ من الإضاءة على بعض المبادرات الحكومية والإقليمية ذات الصلة، منها “مبادرة السعودية الخضراء” التي ستشهد زراعة 10 مليارات شجرة داخل الممكلة و40 مليار شجرة على مستوى الشرق الوسط بالتعاون مع دول عربية أخرى. يُضاف إلى ذلك مبادرة “غرس الإمارات” لزراعة ملايين الأشجار في المناطق المتضررة من التصحّر؛ المبادرة القومية لاستصلاح ملايين الفدّانات من الأراضي الصحراوية في مصر؛ والمبادرة المغربية لمكافحة التصحّر والحدّ من زحف الرمال واستعادة الأراضي المتدهورة، ارتكازاً إلى زراعة الأشجار وتطوير البنية التحتية للري وتنظيم الرعي.

غزّة تعاني

وللحرب الدائرة في غزّة آثارها السلبية على ظاهرة التصحّر أيضاً. فما العلاقة بينهما؟ “إن إلقاء آلاف الأطنان من المتفجّرات وتكوين الركام والحطام يؤدّيان إلى تدهور التربة والغطاء النباتي هناك. كذلك، فإن القصف المكثّف ساهم في القضاء على النباتات والأشجار وترْك الأراضي مكشوفة وعرضة للتآكل. أما الحرائق الواسعة، فدمّرت المتبقّي من الغطاء النباتي. من ناحيتها، غيّرت الاهتزازات والانفجارات بنية التربة وجعلتها أقلّ قدرة على الاحتفاظ بالماء والمغذّيات”، كما يعلّل أبو علي. فتزايُد الجفاف قد يتسبّب بنقص حادّ في الإمدادات كون شبكات مياه الشرب والزراعة تهالكت بشكل كامل ما قد يمعن في تدهوُر الأمن الغذائي المتدهور أصلاً.

ختاماً، وفي حين أكّدت جامعة الدول العربية على أهمية تضافُر جهود أعضائها لمواجهة ظاهرة التصحّر، رأى أبو علي أن دور الأفراد والمجتمع المحلي مهمّ جداً للتخفيف من آثار ذلك السلبية، عبر المشاركة في حملات التشجير المحلية وزراعة الأشجار في الحدائق لزيادة الغطاء النباتي. وبما لا يقلّ أهمية، يجب الحدّ من الاستهلاك المنزلي للمياه واستخدام تقنيات الري الفعّالة كما الانضمام إلى جمعيات بيئية تُعنى بمكافحة التصحّر. “للتوعية والتعليم ونشر الثقافة البيئية أهمية كبرى في هذا الإطار. فإن لم تُتخَّذ الإجراءات اللازمة، سيكون بانتظار العالم العربي مستقبل صعب ومظلم من التدهور البيئي والهجرات الجماعية والأزمات الغذائية والاقتصادية. هذا دون أن ننسى اشتداد الصراعات وتفاقُم حالة عدم الاستقرار”.

 

https://hura7.com/?p=29221

 

الأكثر قراءة