الخميس, سبتمبر 19, 2024
22.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ مخالفات شركات ركن السيارات في لبنان

كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف من صباح يوم السبت في 27 تموز/يوليو الماضي. أحد عناصر الشرطة البلدية يدخل إلى مقهى يقع في منطقة الزلقا (قضاء المتن، محافظة جبل لبنان)، ويطلب من شاب يحتسي قهوته إزالة سيارته المركونة أمام المقهى. يرفض الشاب تلبية الطلب كون المواقف العمومية ملكاً للجميع. وإذ بعناصر آخرين يتجمّعون حوله وينهالون عليه بالضرب مستولين على دفتر السوق الخاص به ومفتاح سيارته. وهذا ما تبيّن لاحقاً: الشرطة البلدية تقوم بحجز المواقف العمومية لمصلحة شركات خدمة ركن السيارات (Valet Parking) . وهو جرم جزائي واضح ومخالفة فاضحة للقانون.

فوضى تلك الشركات ليست مستجدّة في لبنان. لكنها تتفاقم باطّراد في ظلّ غياب المحاسبة والملاحقة، خاصة وأن تفعيل نشاطها يأتي من خارج القوانين مرعية الإجراء. فمعظمها تعمل دون ترخيص من الجهات الرسمية وتقوم بمصادرة الأرصفة والطرقات العامة. أمّا الغطاء، فسياسيّ، كالعادة، من قِبَل نافذين ومحميّين.

في شارعَي الجمّيزة ومار مخايل وسط العاصمة بيروت، الصرخة واحدة: “لا يمكنني ركن سيارتي أمام منزلي لأن شركات الـ”Valet Parking” تصادر الطرقات العامة وتحوّلها إلى مواقف سيارات لروّاد المطاعم والمقاهي الليلية”. وفي منطقة برمّانا في قضاء المتن، منع أحد منتسبي تلك الشركات سيّدة من ركن سيارتها باعتبار أن “المنطقة تابعة لنا وعليكِ تسديد مبلغ بقيمة 700 ألف ليرة لبنانية مقابل ذلك”.

أما في شارع الحمرا في بيروت، فكادت الكارثة أن تحلّ بعد أن أضاع أحد “المشرفين” على مرآب، من غير التابعين لأي شركة مرخّصة، مفتاح إحدى السيارات المركونة. موقف زاده سوءاً اندلاع حريق خلف حائط ملاصق للسيارة المركونة كاد أن يجهز عليها لغياب معايير السلامة. ثم أن التعرفة “شرفية”، حيث تتراوح بين 400 ألف ومليون ليرة. لا بل إنها تتفاوت (بحسب الزبون) لتصل أحياناً إلى 500 دولار أميركي في حال طمح السائق لركن سيارته الفارهة أمام مدخل مقهى أو مطعم ما مباشرة.

التساؤلات كثيرة: هل هذه الشركات مرخّصة جميعها في لبنان، وهل إن العاملين فيها لبنانيون حصراً، كما ينصّ القانون، وبحوزتهم إجازات عمل ورخص سوق؟ وماذا عمّا يتمّ تناقله عن “عصابات” تابعة لشركات تقوم في بعض المناطق بسكب نسخ عن مفاتيح السيارات وتنصيب أجهزة تحديد المواقع (GPS) داخلها تسهيلاً لعمليات سرقة لاحقة؟ بعض المجيبين يأسفون لكون بعض “أبطال” الطرقات و”مستملكي” الأرصفة أقوى من الدولة ذاتها.

نظرة قانونية

جرى تنظيم عمل شركات ركن السيارات في العام 2011 بموجب قرار مشترك حمل الرقم 1536 صادر عن وزير السياحة ووزير الداخلية والبلديات. وأبرز ما جاء فيه:

  • تؤدي خدمة ركن السيارات مؤسسات أو شركات مرخّص لها للقيام بذلك.
  • تُلزَم الشركات وجميع المؤسسات التي تُعنى بركن السيارات بوضع علامة “Valet Parking” على كافة ممتلكاتها، لا سيّما اللباس الخاص بمستخدميها.
  • على الأشخاص الذين يملكون مؤسسة ركن سيارات وعلى كل مستخدم يعمل لديها أن يكونوا من التابعية اللبنانية، متمتّعين بحقوقهم المدنية، وأن يكونوا من ذوي السيرة الحسنة.
  • تتحمل الجهة التي تؤدي خدمة ركن السيارات، بالتكافل والتضامن مع المؤسسة التي تعمل لصالحها، المسؤولية الكاملة والشاملة عن كل عطل وضرر قد يصيب أصحاب السيارات. وعلى أصحاب المؤسسات وراكني السيارات تقديم كفالة بالتكافل والتضامن صادرة عن مصرف مقبول باسم وزارة الداخلية والبلديات بالصيغة المعتمدة لديها لتغطية ما يترتب على راكني السيارات من جراء المسؤولية المنصوص عليها.
  • يتوجب على راكني السيارات لدى قيامهم بمهامهم: عدم التسبب بعرقلة وازدحام السير؛ تجنّب استعمال أدوات التنبيه الصوتية وعدم إزعاج أهل الجوار؛ عدم استعمال الأرصفة المعدّة لسير المشاة أو الطريق العام لركن السيارات؛ تسليم الزبون إيصال يثبت تسلّم السيارة تُدوَّن عليه قيمة تعرفة ركن السيارة واسم الشركة أو المؤسسة؛ التقيّد بالتعرفة الرسمية المحددة.
  • إن كل مخالفة لأحكام هذا القرار تعرّض مرتكبيها للملاحقة القانونية وتكلّف قوى الأمن الداخلي وأجهزة الرقابة في وزارة السياحة تنفيذ مضمونه.
  • يُمنع منعاً باتاً وضع أية عوائق على الأرصفة أو الطريق العام بهدف حجز الأمكنة، ويُحظر على أي شخص استيفاء أي مبلغ مالي من الزبون لقاء ركن سيارته في الأملاك العامة.

لا يُنفَّذ

يوصّف أهل الاختصاص القانون بالمحكم بمواده، لكن مخالفاته لا تحصى ولا تُعدّ. ورغم أن الشكاوى تنهمر على وحدة الشرطة السياحية والشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي، إلّا أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة جعلت التمادي في المخالفات ظاهرة “مشروعة”. فبعد الأزمة الاقتصادية التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، بات عدد عناصر الشرطة السياحية لا يتعدّى العشرات يتوزّعون على المؤسسات السياحية الممتدّة على كافة الأراضي اللبنانية، من مطاعم وملاهي ومسابح وغيرها.

أمّا تسلّل العمالة الأجنبية، فحدّث عنها ولا حرج. يأتي ذلك معطوفاً على التهرّب من تدوين التعرفة الرسمية على الإيصالات ومخالفتها في معظم الأحيان بحيث تحوّلت إلى “إكرامية” أكثر منها تسعيرة قانونية. عدا عن مصادرة الطرقات العامة ومنع المواطنين من ركن سياراتهم في الأملاك العمومية. وتشير مصادر متابعة إلى أن حوالى 80 شركة ركن سيارات من أصل 100 تعمل بدون ترخيص في لبنان.

وبحسب المصادر نفسها، هناك تواطؤ بين معظم الشركات وبعض أصحاب الملاهي الذين لا يملكون مواقف خاصة، من جهة، وبينها وبعض عناصر قوى الأمن الداخلي الذين يغضّون النظر عن مخالفات تُرتكب يومياً لقاء مبالغ مالية، من جهة أخرى.

أين الجهات الرسمية؟

مدير مصلحة المؤسسات المصنّفة في بلدية بيروت، المهندس باسم عويني، أشار إلى جريدة “الحرّة” إلى أنه، نتيجة تزايد المخالفات والشكاوى بحقّ أصحاب تلك الشركات، أصدرت بلدية بيروت مراراً وتكراراً بيانات تشدّد فيها على ضرورة الالتزام بالقوانين والتسعيرات المحدّدة. وقد كلّف محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، مصلحة المؤسسات المصنّفة في البلدية بمتابعة المخالفات وتنظيم محاضر ضبط بحقّ المخالفين، وإحالتها إلى القضاء المختص لإجراء المقتضى القانوني.

وأضاف: “إن القرار الصادر عن وزيرَي السياحة والداخلية دقيق ومنظّم ويتضمن كافة الضوابط التي ترعى حسن ممارسة نشاط شركات ركن السيارات، لكن لا بدّ لنا وأن نعترف بأن المخالفات كثيرة وأن مراقبة تنفيذه تقع على عاتق الوزارتين المعنيتين، أي الشرطة السياحية والمحافظين”. فموظفو بلدية بيروت، الذين كانوا يلتزمون بدوام ليلي، توقّفوا عن عملهم بعد استفحال الأزمة اللبنانية. وبما أن نشاط تلك الشركات ليلي بامتياز، يتطلّب ذلك رقابة قيادة شرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي والضابطة السياحية التابعة لوزارة السياحة. فأين هما من ضبط ما يحصل من مخالفات؟

لا تبرير… ولكن

بما يتعلّق بتفلّت التعرفة، لفت عويني إلى أن القرار 1536 لم يتطرّق للمسألة، لذا صدر له قرار تعديلي في العام 2017 حدّد التعرفة القصوى بخمسة آلاف ليرة. وفي آذار/مارس 2022، على وقع انهيار قيمة العملة المحلية، وحرصاً من محافظ بيروت على المصلحة العامة وعدم تفلّت الأسعار، ونظراً للصلاحية المعطاة له دون غيره من المحافظين، قام بتعديل التعرفة تباعاً لتستقرّ منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023 على 200 ألف ليرة (وهي التعرفة الرسمية المعتمدة ضمن نطاق البلدية). في حين لم يصدر أي قرار رسمي حتى الساعة عن وزيرَي السياحة والداخلية يقضي بتعديل التعرفة في باقي البلديات. تأخُّر يشرّع، عن قصد أو بدونه، التلاعب بالأسعار كما يذهب المتابعون.

“لا نريد أن نختبئ وراء الحقيقة. هناك تفلّت في الأسعار وحجز للأماكن العامة. كما هناك 4 شركات فقط من أصل 25 شركة تقريباً مرخّصة ضمن نطاق البلدية. نحن لا نبرّر أفعال المخالفين، لكن العرض أقل بكثير من الطلب، حيث باتت العقارات غير المبنية المستأجرة من قِبَل أصحاب المؤسسات لا تتّسع لأعداد سيارات الزبائن، لذا هم يلجأون إلى الأملاك العامة. نحن، كإدارة، قمنا ونقوم بكل ما يلزم. فوج حرس بيروت غير مسؤول عن مراقبة هذه المخالفات بعكس الشرطة البلدية في كافة البلديات الأخرى المولجة ضبطها. تصلنا أحياناً بعض المحاضر من شرطة بيروت ونقوم بتحويلها، بعد مراجعتها، إلى القاضي المنفرد الجزائي، وهناك يصبح مصير المحاضر مجهولاً”.

من حقّك أن تعلم

عويني شدّد على سهولة تنفيذ القانون وتعليق عمل الشركات المخالفة – أي معظمها – إلّا أنه رأى في ذلك إشكالية كبرى. فأصحاب المؤسسات السياحية يعتبرون أن شركات ركن السيارات عصب أساسي في عملهم اليومي. “حين نلجأ لأي إجراء صارم، نُتّهم والمحافظ بالتسبّب بعرقلة عمل المؤسسات والسعي إلى إقفال أبواب رزق أصحابها وبأننا ضدّ السياحة والاستثمارات”. لكنه ختم منوّهاً بالخطوة التي أقدمت عليها الفعاليات السياسية والروحية والأمنية في منطقة مار مخايل، حيث تمّ التعاقد مع شركة واحدة لإدارة ركن السيارات في المنطقة، ما ساهم في حصر المسؤولية وتنظيم العمل.

بينما تغيب المبادرات الرسمية الحاسمة لتنظيم قطاع ركن السيارات، وحيث باتت الشركات ذات الصلة تتحكّم بالطرقات وسالكيها، لا بدّ لك، عزيزي المواطن، من أن تعي حقوقك:

  • لا تقم بتسليم سيارتك إلى أي راكن غير لبناني، أو أي موظف لا يرتدي زياً رسمياً يظهر عليه إسم الشركة التي يعمل لمصلحتها.
  • في حال لم يقم الراكن بتسليمك إيصال بإسم الشركة دُوّنت عليه التعرفة الرسمية، فأنت إمّا أمام شركة غير مرخّصة أو شركة مرخّصة تحاول التنصّل من التعرفة الرسمية.
  • إحذر ممّن تسلّمهم سيارتك، ولفترة طويلة، لا سيّما في بعض المناطق التي تسيطر عليها بعض الجهات الناشطة على خط سرقة السيارات. فاحتمال سكب نسخة عن مفتاح سيارتك أو تنصيب جهاز تحديد المواقع وارد جداً.
  • لا تسمح لأحد بمنعك من ركن سيارتك ضمن الأملاك العامة أو بتقاضي أي مبلغ مالي لقاء ذلك. فالطرقات العامة ملك للجميع ولا يحقّ لأي شركة مصادرتها.

ويبقى سؤال أخير: ألم يكن حرياً بدولة غارقة بعجزها المالي أن تنظّم هذا القطاع الذي من شأنه أن يرفد خزينتها بمبالغ هي بأمسّ الحاجة إليها، بدلاً من ترْك المواطن فريسة تتناتشها شركات غير شرعية محميّة… من داخل الدولة وخارجها؟

 

https://hura7.com/?p=31468

الأكثر قراءة