الخميس, أكتوبر 10, 2024
15.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

ماذا قدّم لبنان للشيعة، وماذا قدّم شيعة لبنان لحزب الله؟ – بقلم د. علي خليفة

بقلم: الدكتور علي خليفة

قدّم لبنان للشيعة ما قدّمه للطوائف التاريخية التي وجدت فيه ملاذًا واتّخذته لها موطنًا. وكما كان في جبال لبنان للموارنة وللدروز، كذلك كان في جبل عامل وسهل البقاع للشيعة، حيث بسطت الطبيعة لقاطنيها ما يقيهم المجازر التي كانت ترتدي غالبًا لبوس الاضطهاد بحق الأقليات الدينية التي تخالف بمعتقداتها وطقوسها دين السلطة السائدة. الأمن والأمان والحريات في ممارسة الشعائر الدينية والسواسية بالحقوق المدنية والسياسية والفرائض والواجبات العامة دونما فرق… جميعها وأكثر هبة لبنان للشيعة، إسوة بباقي الطوائف.

وأقرّ لبنان الكبير فور ظهوره على الخريطة السياسية إنشاء القضاء الجعفري والاحتكام لتشريعاته في ما يخصّ نظام الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة الشيعية بعد قرون من تهميش الهوية الثقافية للشيعة على امتداد التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة. وتوسّعت دائرة التعليم الرسمي في ظلّ الإنتداب وعهد الاستقلال، بالتوازي مع إقرار حقوق الطوائف الدينية، بما فيها الشيعة، في إقامة مدارسها الخاصة تحت عنوان حرية التعليم التي كفلها الدستور.

وتعلّم الشيعة في المدارس الرسمية وفي مدارس الجمعيات وفي مدارس الطوائف الأخرى حتى حين احتجبت المرجعيات الدينية الشيعية بدافع ذاتي عن تبنّي الخيار الليبرالي في التربية والتعليم وتناقل القيم. وللشيعة أعطى النظام السياسي اللبناني ثاني موقع رسمي على رأس مجلس النواب، ممثلي الشعب والأمة الناشئة…

بالمقابل، قدّم الشيعة في لبنان بغالبيتهم لحزب الله، في ظرف ما، انتماءهم وولاءهم السياسي. وإذ بحزب الله يربط الطاعة والتكليف بيد الوليّ الفقيه في إيران جاعلاً الرادّ منهم عليه كالراد على الإمام، والرادّ على الإمام كالرادّ على الله. قدّم الشيعة في لبنان بغالبيتهم لحزب الله خمس أرزاقهم وأرواح أبنائهم وأمنهم وأمانهم؛ فجعلتهم قراراته وتبعاتها حفاة المدن الدائمين ومشرّدين في الساحات العامة وعلى قارعة الذل والشقاء التلقائي.

قدّم الشيعة في لبنان لحزب الله تاريخهم الثقافي والاجتماعي ليستبدله بعناصر وافدة من التشيّع الصفوي فأصبحت التنشئة الاجتماعية للمؤسسات التابعة لحزب الله أساس التنميط الثقافي والاجتماعي لأجيال كاملة. قدّم الشيعة في لبنان بغالبيتهم لحزب الله فلذات أكبادهم، مشاريع موت مؤجلة… فمنهم من يقضي سنوات التعبئة العقائدية في مدارس تابعة لجمعية التعليم الديني الإسلامي أو للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم أو في عداد كشافة المهدي إلى أن يقضوا نحبهم. قدّم الشيعة في لبنان بغالبيتهم لحزب الله كلّ مقومات الدولة وأدوارها في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع…

بالمحصّلة، قدّم الشيعة في لبنان بغالبيتهم لحزب الله ما كان يجدر أن يقدّموه للدولة من انتماء وولاء وتنازلات جمّة وواجبات عامة جرّت إلى النكبة العارمة. وبمعزل عن حزب الله ومستقبل أدواره وارتباطاته بإيران وبأجندتها، الشيعة في لبنان سيختارون لبنان خيارًا ثابتًا ووطنًا نهائيًا ويقومون بكلّ ما أمكنهم في سبيله، وعلى قدر ما قدّمه لبنان الفريد بصيغته والغني بتنوعه للشيعة ولغيرهم.

https://hura7.com/?p=34783

المصدر: موقع الحقيقة

الأكثر قراءة