الخميس, أكتوبر 10, 2024
12.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

أمن دولي ـ لماذا تجري الصين وروسيا العديد من التدريبات العسكرية المشتركة؟

وكالات ـ مع تكثيف الصين وروسيا لتعاونهما العسكري من خلال التدريبات البحرية المتكررة، يشعر الناتو بقلق متزايد بشأن العواقب المترتبة على الاستقرار والأمن الإقليميين،  أجرت الصين وروسيا مؤخرًا تدريبات مضادة للغواصات في المحيط الهادئ، مما يمثل معلما مهمًا آخر في تعميق تعاونهما العسكري. يأتي هذا العرض الأخير للتضامن العسكري في وقت من التوترات العالمية المتصاعدة، وخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تجد كلتا الدولتين نفسيهما بشكل متزايد في معارضة للقوى الغربية. هذه التدريبات ليست سوى واحدة من العديد من العمليات المشتركة التي شاركت فيها روسيا والصين على مدار العام الماضي، مما يسلط الضوء على أهدافهما الاستراتيجية المشتركة والأهمية المتزايدة لتحالفهما على الساحة العالمية.

التركيز على القوة البحرية: تفاصيل التدريبات المضادة للغواصات

أجريت التدريبات المضادة للغواصات في شمال غرب المحيط الهادئ، وهي منطقة ذات أهمية جيوسياسية متزايدة. وبحسب الأسطول الروسي في المحيط الهادئ، كانت التدريبات تهدف إلى تحسين التنسيق بين البحريتين في الكشف عن الغواصات المعادية وتحييدها – وهي قدرة حاسمة في الحرب البحرية الحديثة.

من الجانب الروسي، شاركت مدمرتان قويتان، الأدميرال بانتلييف والأدميرال تريبوتس، في التدريبات، إلى جانب مروحية Ka-27PL التي لعبت دورًا رئيسيًا في جهود الكشف عن الغواصات. ساهمت الصين بمدمرتها المتقدمة من طراز 055 Wuxi، والمدمرة من طراز 052D Xining والفرقاطة من طراز 054A Linyi. كما شكلت ناقلة وقود وثلاث طائرات هليكوبتر جزءًا من الوحدة الصينية، مما يؤكد على القدرات الكاملة التي جلبتها الدولتان إلى الطاولة.

لم تكن هذه العملية المشتركة لمكافحة الغواصات حدثًا معزولًا بل جزءًا من نمط أوسع من التدريبات العسكرية التي أصبحت متكررة بشكل متزايد بين الدولتين. وبينما تعملان على صقل قدرتهما على الاستجابة للتهديدات تحت الماء، ترسل روسيا والصين أيضًا رسالة إلى خصومهما: شراكتهما العسكرية أصبحت أقوى وأكثر تطورًا مع كل عام يمر.

التدريبات العسكرية المشتركة

إن هذا التدريب الأخير المضاد للغواصات هو الأحدث في سلسلة من التدريبات المشتركة التي أجرتها روسيا والصين في مناطق استراتيجية مختلفة. وكان من أبرز هذه التدريبات التدريب البحري “بيبو/إنتيرآكشن-2024” الذي أقيم في بحر اليابان وبحر أوخوتسك في سبتمبر/أيلول. وركزت هذه التدريبات على مجموعة من سيناريوهات القتال، من الضربات المدفعية إلى مناورات الدفاع الجوي، وشملت الحرب المضادة للغواصات كعنصر أساسي.

وأكد المسؤولون الصينيون مراراً وتكراراً أن هذه التدريبات تهدف إلى تحسين القدرات العسكرية للبلدين في الاستجابة للتهديدات الأمنية الإقليمية. ولكن الأهم من ذلك أنها تهدف إلى تعزيز ما أسمته بكين “الثقة المتبادلة الاستراتيجية” بين الصين وروسيا. ومع مواجهة الدولتين لضغوط متزايدة من الغرب، وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا، فإن هذه التدريبات المشتركة تظهر عزمهما على الوقوف معاً ضد التحديات الخارجية.

وكانت تدريبات “أوشن-2024” الروسية، التي أقيمت أيضاً في سبتمبر 2024، بمثابة لحظة مهمة بشكل خاص في تاريخ التعاون العسكري الروسي الصيني. كانت هذه التدريبات أكبر مناورات بحرية أجرتها روسيا منذ أكثر من 30 عامًا، وشارك فيها أكثر من 400 سفينة حربية و120 طائرة و90 ألف فرد عسكري. ولعبت الصين دورًا رئيسيًا في هذه التدريبات، مما عزز شراكتها مع روسيا.

دوريات بحرية عالية المخاطر

بالإضافة إلى هذه التدريبات المشتركة، أجرت روسيا والصين أيضًا العديد من الدوريات البحرية المشتركة في مناطق ذات أهمية استراتيجية. وكانت إحدى أحدث هذه الدوريات بالقرب من اليابان، وهي خامس عملية من نوعها في المنطقة. وتهدف هذه الدوريات، التي تشمل كل من السفن السطحية والغواصات، إلى إظهار قدرة الدولتين على فرض القوة وحماية مصالحهما البحرية.

وقد أدت هذه الدوريات بشكل مفهوم إلى زيادة التوترات مع اليابان، التي تشعر بقلق متزايد إزاء الوجود العسكري المتزايد لكل من روسيا والصين في المياه المحيطة بها. كما تتبع الدوريات الدوريات الجوية المشتركة فوق المياه بالقرب من ألاسكا في وقت سابق من العام 2024، فضلاً عن التدريبات البحرية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه بشدة – وهي نقطة اشتعال رئيسية في الجغرافيا السياسية العالمية.

إن القرب الشديد لهذه الدوريات المشتركة من مناطق حساسة، مثل المياه قبالة ألاسكا واليابان، أثار مخاوف في واشنطن وطوكيو وعواصم أخرى. وتنظر الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، إلى التحالف العسكري بين روسيا والصين باعتباره تحديًا كبيرًا لجهودها للحفاظ على الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

مخاوف الناتو وحسابات الصين الاستراتيجية

لم يمر التنسيق العسكري المتزايد بين روسيا والصين دون أن يلاحظه الناتو. فقد أعرب التحالف الغربي عن قلقه إزاء دعم الصين لروسيا، وخاصة في سياق الحرب الجارية في أوكرانيا. واتهم الناتو بكين بأنها “عنصر حاسم” لروسيا، مشيرًا إلى استمرار الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الصيني لموسكو. ومع ذلك، رفضت الصين هذه الادعاءات، وحذرت الناتو بدلاً من ذلك من البقاء خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وحذر المسؤولون الصينيون مرارًا وتكرارًا مما أسموه محاولات التحالف “لجلب الفوضى” إلى المنطقة، مؤكدين أن أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا ينبغي أن تمليه أولويات الناتو.

صرح سفير الصين لدى روسيا، تشانغ هان هوي، بأن هذه التدريبات العسكرية تظهر المستوى العالي من “الثقة المتبادلة الاستراتيجية” بين البلدين. بالنسبة للصين، فإن علاقتها بروسيا ليست مجرد تحالف تكتيكي بل شراكة استراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى مواجهة النفوذ الغربي في المناطق الرئيسية، وخاصة منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إن إصرار بكين على أن يتجنب حلف شمال الأطلسي توسيع نطاقه في آسيا هو مؤشر واضح على كيفية نظرتها إلى شراكتها العسكرية مع روسيا: باعتبارها حجر الزاوية لاستراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع.

من التنافس إلى الشراكة: تحول تاريخي

يشكل التعاون العسكري الوثيق بين روسيا والصين تناقضًا صارخًا مع علاقاتهما خلال الحرب الباردة، عندما كانت الدولتان خصمين مريرين. في عام 1969، تصاعدت التوترات إلى صراع مفتوح عندما اشتبكت القوات السوفيتية والصينية على نهر أوسوري. ولكن في السنوات الأخيرة، تطورت العلاقة بين البلدين من علاقة شك متبادل إلى شراكة استراتيجية، تغذيها المصالح المشتركة والتحديات الجيوسياسية المشتركة.

على مدى العقد الماضي، زادت روسيا والصين بشكل كبير من علاقاتهما الاقتصادية والسياسية والعسكرية. لقد أصبحت روسيا، على وجه الخصوص، تعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا الصينية، وخاصة في المناطق التي حدت فيها العقوبات الغربية من قدرتها على الوصول إلى الإلكترونيات المتقدمة والأجهزة العسكرية. من ناحية أخرى، استفادت الصين من الخبرة الواسعة التي اكتسبتها روسيا في ساحة المعركة، وخاصة في مجالات مثل تكنولوجيا الصواريخ والحرب الإلكترونية.

كتلة عسكرية ناشئة؟

إن العلاقة العسكرية المتعمقة بين روسيا والصين لها آثار بعيدة المدى على الأمن العالمي. ومن المرجح أن تشعر منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على وجه الخصوص، بتأثيرات هذا التحالف المتنامي، حيث من المتوقع أن تواصل الدولتان مناوراتهما ودورياتهما المشتركة في مناطق ذات أهمية استراتيجية، مثل بحر الصين الجنوبي وتايوان.

مع استمرار روسيا والصين في توسيع نطاق أنشطتهما العسكرية المشتركة، من الواضح أن شراكتهما أصبحت أكثر من مجرد تحالف مؤقت. من خلال التدريبات المشتركة والدوريات البحرية والتدريبات واسعة النطاق، تضع الدولتان الأساس لكتلة عسكرية أكثر ديمومة قادرة على تحدي هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في مناطق رئيسية. مع تصاعد التوترات في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوكرانيا وتايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ على نطاق أوسع، سوف يراقب العالم عن كثب بينما تمضي روسيا والصين قدما في تعاونهما العسكري المتنامي.

https://hura7.com/?p=34812

الأكثر قراءة